في ظل الضغوط المتزايدة من صندوق النقد الدولي، تعمل حكومة الانقلاب في مصر على اتخاذ خطوات جذرية لإلغاء التعليم المجاني، معتمدة على استراتيجيات تعجيزية تهدف إلى منع الطلاب من الالتحاق بالتعليم الجامعي الحكومي المجاني، ودفعهم باتجاه الجامعات الخاصة أو ما يسمى بالجامعات الأهلية التي أنشأتها الحكومة كجزء من خطة لخصخصة التعليم.
من بين هذه الأساليب، تقبل الجامعات الأهلية والخاصة الطلاب بمجاميع أقل بكثير من نظيراتها الحكومية، ما يجعلها أكثر جذباً للطلاب وأولياء الأمور الذين يجدون صعوبة في الحصول على مقاعد في الجامعات الحكومية. فعلى سبيل المثال، تقبل كلية الطب في الجامعات الحكومية الطلاب بمجموع لا يقل عن 93.17%، في حين يمكن للطلاب الحاصلين على 74% فقط الالتحاق بالكلية نفسها في الجامعات الأهلية والخاصة. كذلك، تنخفض متطلبات القبول في كليات الهندسة والصيدلة والإعلام في الجامعات غير الحكومية إلى 65%، 71%، و53% على التوالي، مقارنة بمتطلبات القبول في الجامعات الحكومية التي تتجاوز هذه النسب بكثير.
فيما يتعلق بالمصروفات، فإن الجامعات الخاصة تتبنى نهجاً يتسم بارتفاع التكاليف بشكل مستمر. فعلى سبيل المثال، تصل تكلفة دراسة الطب البشري في جامعة "6 أكتوبر" إلى 140 ألف جنيه مصري سنوياً، في حين ترتفع التكلفة في جامعة حورس إلى 230 ألف جنيه. وعلى الرغم من ذلك، تقدم الجامعات الأهلية أسعاراً تنافسية نوعاً ما مقارنة بالجامعات الخاصة، حيث تصل المصروفات في جامعة المنصورة إلى 130 ألف جنيه، وتنخفض في جامعة بني سويف إلى 110 آلاف جنيه.
ولم يقتصر تقليل الدرجات المطلوبة للقبول بالكليات على الجامعات الأهلية والخاصة فقط، بل شمل أيضاً الجامعات الحكومية التي باتت تسعى إلى جذب الطلاب الأجانب في محاولة للحصول على العملة الصعبة. وتتيح هذه الجامعات للطلاب الوافدين فرص الالتحاق بتنسيق منخفض جداً مقارنة بالطلاب المصريين، حيث تتراوح الرسوم الدراسية للطلاب الأجانب بين 2500 و6000 دولار. هذا التوجه تعزز بشكل كبير منذ خمس سنوات عندما أعلنت وزارة التعليم العالي بحكومة الانقلاب عن مبادرة "ادرس في مصر"، التي رفعت نسبة الطلاب الوافدين في الجامعات من 5% إلى 25% من إجمالي الطلاب الملتحقين.
هذا التباين في معايير القبول وأسعار المصروفات الدراسية بين الجامعات الحكومية والخاصة والأهلية يخلق حالة من "الطبقية التعليمية"، حيث تصبح الفرص التعليمية الجيدة متاحة فقط لمن يستطيع تحمل تكاليف التعليم الباهظة. وبحسب الدكتور محمد فتح الله، الخبير بالمركز القومي للامتحانات والتقويم التربوي، فإن هذه الطبقية تساهم في تفاقم مشاكل اجتماعية خطيرة مثل الحقد الطبقي وفقدان الهوية، فضلاً عن أنها تخل بمبادئ المواطنة وتكافؤ الفرص.
من جانبه، انتقد الدكتور كمال مغيث، الخبير بالمركز القومي للبحوث التربوية، تفضيل الطلاب الأجانب على حساب الطلاب المصريين في الجامعات الحكومية، واعتبره انتهاكاً لمبدأ تكافؤ الفرص الذي ينبغي أن يكون أساس أي نظام تعليمي وطني. وأكد مغيث أن الحكومة تتعامل مع الجامعات الخاصة والأهلية بمبدأ الربح دون النظر إلى العدالة التربوية.
بهذه السياسات، تصبح الجامعات الحكومية متاحة للطلاب القادرين على تحمل تكاليفها، بينما يجد الطلاب ذوو الدخل المحدود أنفسهم مجبرين على الابتعاد عن التعليم العالي. هذا الوضع يعمق من أزمة التعليم في مصر ويضع مستقبل العديد من الشباب على المحك، في ظل حكومة تفضل المصالح الاقتصادية على حقوق المواطنين في التعليم.