تعتبر المؤسسات المالية والرقابية في مصر من العناصر الأساسية التي تؤثر بشكل مباشر على الاستقرار الاقتصادي والإداري للبلاد. هذه المؤسسات، التي تشمل البنك المركزي المصري، والجهاز المركزي للمحاسبات، وصندوق مصر السيادي، وهيئة الرقابة المالية، وبورصة الأوراق المالية، تلعب دورًا محوريًا في إدارة الاقتصاد، الرقابة على الأسواق، وإصدار السياسات النقدية والمالية. لذا، فإن استقرار هذه المؤسسات ضرورة حيوية لضمان استمرارية الأداء بكفاءة وفعالية.
ومع ذلك، تشهد مصر في الوقت الراهن ظاهرة لافتة تتمثل في تعيين قيادات مؤقتة لتولي إدارة هذه المؤسسات الحساسة، تحت مسمى "القائم بالأعمال" بدلاً من تعيين قيادات دائمين. هذه الظاهرة تتجاوز القطاع المالي والرقابي لتطال أيضًا مؤسسات تعليمية وعمالية، مما يثير تساؤلات حول أسباب هذه التعيينات المؤقتة وعما إذا كانت تعكس أزمة في تأمين الخبرات والكوادر القيادية المناسبة.
في البنك المركزي المصري، وهو الهيئة الرقابية الأهم في البلاد والمسؤولة عن إدارة السياسة النقدية وسوق الصرف وإدارة الدين العام، صدر قرار جمهوري بتجديد تكليف حسن عبد الله كقائم بأعمال محافظ البنك المركزي لمدة عام إضافي اعتبارًا من 18 أغسطس 2024. عبد الله، الذي تولى المنصب مؤقتًا في أغسطس 2022 خلفًا لطارق عامر، نجح في إدارة السياسة النقدية بكفاءة وحقق نتائج ملحوظة مثل استقرار سوق الصرف وزيادة احتياطي النقد الأجنبي. ومع ذلك، يثير عدم تعيين عبد الله محافظًا دائمًا تساؤلات حول السبب وراء هذا القرار، خاصةً وأنه قد يتسبب في تذبذب الاستقرار المؤسسي.
تكررت هذه الظاهرة في الجهاز المركزي للمحاسبات، الذي يُعتبر من أبرز الأجهزة الرقابية في مصر، حيث جرى تعيين المستشار محمد الفيصل يوسف كقائم بأعمال رئيس الجهاز، دون تعيين رئيس دائم، رغم الدور الحيوي للجهاز في الرقابة على أموال الدولة والشخصيات العامة.
في صندوق مصر السيادي للاستثمار والتنمية، وهو الصندوق السيادي للدولة، استقال أيمن سليمان من منصبه كمدير تنفيذي للصندوق، ليتم تكليف نهى رشدي خليل، رئيسة قطاع الاستراتيجية وتطوير الأعمال، لتكون قائمةً بأعمال المدير التنفيذي مؤقتًا. هذه الخطوة تثير القلق حول الاستمرارية في إدارة الصندوق، الذي يلعب دورًا مهمًا في جذب الاستثمارات وتنمية الأصول الوطنية.
تمتد هذه الظاهرة إلى المؤسسات التعليمية أيضًا، حيث شغلت الدكتورة فجر خميس منصب القائم بأعمال المركز القومي للبحوث، وعُين الدكتور محمد سامي عبد الصادق، نائب رئيس جامعة القاهرة لشؤون خدمة البيئة وتنمية المجتمع، قائمًا بأعمال رئاسة الجامعة خلفًا للدكتور محمد عثمان الخشت.
كما جرى تجديد تكليف محمد فريد للقيام بأعمال رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للرقابة المالية لمدة عام، وهي الهيئة المسؤولة عن الرقابة على البورصة وسوق المال والأنشطة المالية الأخرى في البلاد. ومن المتوقع أن يُعيّن قريبًا قائم بأعمال رئيس اتحاد عمال مصر خلفًا لمحمد جبران.
في ضوء هذه الظاهرة، يثار تساؤل مهم: هل نضبت مصر من الخبرات والكوادر القادرة على تولي المناصب القيادية في المؤسسات الحيوية؟ أم أن هناك أسبابًا أخرى وراء التعيينات المؤقتة التي قد تؤثر سلبًا على استقرار هذه المؤسسات وأداء مهامها بكفاءة؟
يجب أن تسعى الحكومة المصرية إلى معالجة هذه المسألة بشكل عاجل لضمان استقرار المؤسسات الحيوية، من خلال تعيين قيادات دائمة تتسم بالخبرة والكفاءة، وضمان استمرارية الأداء دون انقطاع. إن وجود قيادات مؤقتة قد يضعف القدرة على تنفيذ الخطط الاستراتيجية طويلة الأجل ويؤثر على الأداء الرقابي والإداري، مما يتطلب استجابة سريعة لضمان استقرار المؤسسات المصرية الحيوية وتعزيز الثقة في القدرة على إدارة الاقتصاد بكفاءة.