عزت النمر :

بالنظر الى الترتيب الطبيعي للأحداث خلال الفترة السابقة نجد فصول متتالية لمشروع واحد بخطوات متتالية مترابطة.

كانت البداية مجموعة تعلن عن نفسها بمبادرة أسموها حينذاك "إحنا الحل" , زعمت المبادرة فتح ذراعيها للجميع للتوافق لتوحيد الصف , وأكدت أنها لا تُقْصي أحداً ولا تفرض شروطاً وإنما تضع مجموعة من الاعتبارات وتفتح الباب لمن شاء أن يضيف عليها أو أن يخصم منها.

لم ينس أصحاب المبادرة الثناء على صمود الرئيس الشرعي الدكتور مرسي وقالوا أن صموده يغفر له الأخطاء التي يرون أنه وقع فيها , ورغم ذلك طالبوا الرئيس بتفويض صلاحياته لحكومة توافقية يرأسها الدكتور أيمن نور رجلهم الذي زعَّمُوه في مبادرتهم ومايزالون .
حتى لا ننس نحن أيضاً أنهم في مبادرة الليبراليين الجدد اشترطوا على الإسلاميين ألا يشاركوا في الانتخابات إلا بنسبة 30 % , ولا أدري أهذا شرطهم على الاسلاميين أم أنه حَجْرٌ على إرادة المصريين أم أنه صورة من ديمقراطية جديدة مشروطة يبشر بها هؤلاء ؟!.
للحق يقال أن المبادرة ذهبت مع الريح وأنها رُفِضت أو لُفِظت حتى من كثير من الأسماء التي طرحتها , إلا أنها أبانت عن مجموعة موجودة داخل منظومة معارضي الانقلاب لها توجهاتها الخاصة وأهدافها الخاصة كذلك.

هذه المجموعة تبين أنها تحمل في رأسها نفس الإقصاء الذي أتى به الانقلاب للاسلاميين لكنه اقصاء سياسي وليس وجودي أو دموي لكنها قد تكون طبيعة المرحلة . كما تركت لهم تهمة عليهم أن ينفوها ويتبرأوا منها , ألا وهي عدم الثقة في الشعب المصري وقلة الاحترام لإرادته واختياراته.

البعض بدافع التوافق والمجاملة يرفض هذه الاتهامات , ويرى ــ من قبيل التبرير ــ أن هؤلاء لا يرون مستقبلا ما للحرية ولا الديمقراطية في مصر إلا بموافقة أمريكا والغرب , وهم لهذا السبب قدموا مبادرتهم كوسيلة وحيدة وطريق ليس هناك غيره لتتكرم علينا أمريكا والغرب ويقدموا لنا دعمهم ويمنحونا ديمقراطية "دليفري" وحرية "تيك أواي" .
حقيقة لم يقف الأمر عند هذا الحد ولم يكن هذا إلا ضربة البداية لمسار هادئ طويل حاول فيه هؤلاء تغيير أرضية الملعب من خلال تشويه ممنهج يطال الإخوان المسلمين وتعمد الهجوم واللمز لقياداتهم وعدم الملل ولا الكلل من اجترار أحاديث ومواقف كلها تحت عنوان "أخطاء الإخوان".
إن ما يحدث ما هو إلا تحضير طويل للمشهد المرجو والمأمول والذي يتمنون فيه تغييب الاخوان المسلمين عن القيادة المستحقة على الرغم من أنهم لن يستطيعوا أن يعيشوا بغير الاخوان في الشارع وفي الحراك على الأرض , فهم منه يقتاتون وعليه يزايدون وبه يتاجرون .

بالطبع أخذ الرئيس الدكتور محمد مرسي من هذا المجموعة نصيبه الوافر من العتب حينا ً والملامة حيناً والهجوم والسب في أحايين كثيرة رغم ما له من رمزية لهذه الموجة الثورية ورغم ما يمثله من شرعية ثورية ودستورية لا تخفى على هؤلاء .

اذن الرسالة المقصودة أنهم يرحبون بـ "أنفار" الإخوان وجماهيرهم الثائرة في الشارع ولكنهم يلعنون إجماعهم على الشرعية الممثلة في الرئيس الدكتور محمد مرسي الذي يعتبرونه معوق للتوافق المزعوم أو حجر العثرة في التأييد الدولي للحراك , وربما لأنه أحد رموز الاخوان المسلمين الناجحة عندهم ثورياً وحراكياً ويرفضونها قيادياً .

أعتقد أنه من الأهمية بمكان أن نعرف إلى أي مدى أسمعت هذه الدعاوى وأنتشرت وعلى أي أرض يقف هؤلاء ؟ .

الحقيقة أن وجودهم في مشهد مناهضة للانقلاب ومواقف مشكورة وقفها كثير من هؤلاء صنعت لهم وجودا اعلامياً مقبولاً ومشهوداً ,  لكن تظل مثل هذه الدعاوى محدودة الأثر تظهر بين الحين والآخر في فضاءات التواصل الاجتماعي وتلقى قبولاً ضعيفاً في مجتمع رافضي الانقلاب الفضائي خاصة من ثوار "الكي بورد" وناشطي الانترنت وجامعي "اللايكات والتعليقات" , أما أبطال الحراك على الأرض والثوار الحقيقيون فهم ماضون في طريق واحد هو الثورة الكاملة بشرعيتها الواضحة.

حلقة جديدة في الطريق المرسوم كانت الدعوة المخابراتية لانتخابات رئاسية مبكرة , فكانت الكاشفة والسقطة التي وقع فيها هؤلاء ــ لاحظ أنه ظهرت في اعلام الانقلاب ودندن بها لشهر مضى ــ أظهرت ان الصف الثوري مازال فيه أدعياء سذج وربما عملاء خونة , كما أثبتت أن نموذج "عبده مشتاق" مازال حاضراً غير مفقود. 

تلقف الليبراليون الجدد هذه الدعوة وسوقوا لها باعتبارها الجسر الموصول للدعم الغربي والدولي , وأنها طوق النجاه من العسكر والإخوان معاً . وربما احتفى بها زعيمهم الحالم باعتبارها الطريق إلى الاتحادية , رغم المخاطر الجمة التي تحيط بها والألغام شديدة الانفجار في طريقها , ورغم تجاوزها لإرادة الشعب المصري في خمسة استحقاقات ديمقراطية وضعها الانقلاب وداعموه الدوليون في سلة المهملات .

هذة الانتخابات الرئاسية المزعومة ما هي الا شرعنة للانقلاب وغسل سمعة العسكر خاصة اذا أجريت تحت حكم العسكر وبإشراف من قضائه الشامخ ولا بأس أن يشارك الغرب في ديكور هذه الانتخابات المشبوهة لنخرج منها بيقين واحد واحتمالات ثلاثة .

اليقين المؤكد هو شرعنة الانقلاب العسكري , والاحتمالات ثلاثة هي إما أن يكتسب السيسي شرعيته المفقودة في هذا المسخ الديمقراطي المشوة , أو أن تُنْقل قيادة الانقلاب بعد شرعنته الى جنرال آخر وربما يكون أحمد شفيق بعدما استنفذ الغبي الحالي مرات الرسوب , أو يتوافق الغرب وأمريكا على استحداث "قرضاي" مدني مثل البرادعي أو أيمن نور ليصبح واجهة رديئة وطرطور جديد للعسكر يستكمل مرحلة ما من الأهداف الغربية , ويظل الجيش هو الاستثمار الامثل للغرب وأمريكا تحت الطلب لمهمة ما اذا تأزمت الأمور .

أعتقد أن الدعوة لانتخابات مبكرة ومن يشارك فيها أو يدعو اليها تمثل نوعاً من التحايل القذر على إرادة المصريين, وأن أي حديث بأن الغرب وأمريكا يمكن أن تدعم ديمقراطية في مصر بهذه الطريقة, لهو غباء ينافس وربما يتفوق على غباء الانقلاب وسيسيه , وأجزم بعمالة وخيانة كل من يعتقد أو يرجو أو ينتظر أو يتحرى ديمقراطية للمصريين يبشر بها أوباما أو يتفضل بها كيري أو يرضى عنها نتنياهو.

بقى السؤال الأهم والذي يجب أن يُوجَّه الى جماعة الاخوان المسلمين : بعدما تكشفت الأمور.. ماذا أنتم فاعلون ؟

أعتقد أن عليهم أن يعلنوا عن مبادئ للحراك وثوابت للثورة يتفق عليها , مظلة محددة وواضحة لتصبح واجهة يرتضيها من يشاء ويفارقها من يشاء بوضوح وحسم , وعليهم أن يدعو الصف الثوري في هذا المنعطف التاريخي واللحظة الفارقة الى التوحد تحت هذه المظلة والتوافق عليها . ولتكن نقطة فارقة تتميز فيها الصفوف وتوجه فيها الدعوة لكل الكيانات الثورية العاملة على الارض وحراك الشارع والحركات الشبابية والطلاب ليقولوا كلمتهم ويبينوا موقفهم من تلك المبادئ المعلنة والثوابت المحددة , ولا يجب أن يفوتهم أن يُسِمعُونا كلمة عماليق السجون وساكني الزنازين في هذا التمايز والتي ستكون واضحة وحاسمة .

هذه الدعوة ليست ضد أحد ولكنه تمايز مطلوب وواجب وضروري وحان وقته لتخليص الصف الثوري من كدره وشوائبه , وسنفرح جميعاً بكل وطني غيور يلزم طريق الثورة والثوار.

[email protected]
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9