بقلم/ أشرف الشربيني

واجهت الثورة المصرية تحديان رئيسيان، مواجهة الثورة المضادة، وإعادة الشرعية للشعب المصري. ولم تكن القوى السياسية المصرية على ذات القدر من الوعي والإرادة والقدرة، في مواجهة مخططات الثورة المضادة، أو في استعادة (الشرعية) من يد غاصبيها..

ففي حين شاركت أغلب هذه القوى في انقلاب 2013! رَابطَ الإخوان المسلمون في مربع الثورة، واستطاعوا بحنكةٍ سياسيةٍ كبيرة، مراغمة قوى الثورة المضادة، فانتزعوا منها مكتسبات نوعية هامة، حَمَت الثورة المصرية من ضربة قاضية، وأذاقت الشعب طعم شرعيته لمدة عام، مما جعلهم الأقرب إلى وجدانه، والأقدر على حماية مكتسباته وسيادته، ولا زالت آمال الشعب المصري مُعَلَّقة بالإخوان المسلمين للقيام بهذا الدور في مستقبل الأيام.

 

الإخوان.. ومعارك الثورة

 فبعد أن تحررت الحياة السياسية من قبضة نظام مبارك، بقيام ثورة يناير، أسس الإخوان المسلمون حزب (الحرية والعدالة)، كحزب سياسي يخاطب الجماهير من خلال برامج سياسية، تطرح الحلول وتضع البدائل، وقد واجه هذا الحزب ثورة مضادة، قادها المجلس العسكري الذي حكم البلاد بعد رحيل حسني مبارك، حيث تحمَّل الإخوان النصيب الأكبر في حماية الثورة وتحقيق أهدافها، فهم الأكثر شعبية، والأقوى تنظيماً، فتحرك الإخوان في مسارين: استعادة الشعب لشرعيته، وتحقيق إنجاز يلبي تطلعاته وآماله..

وهي المعركة التي تَخلَّفت عنها القوى العلمانية، بتحالفها مع انقلاب 2013! مما جعلها أكثر الخاسرين في هذه الجولة من الربيع العربي.

 

معركة استعادة الشرعية

أزعجت الأغلبية الكبيرة للإسلاميين بمجلس الشعب، المجلس العسكري إزعاجاً كبيراً، فأوعز لقضاة مبارك بإصدار قرار حَلِّه! لتعود السلطة التشريعية من جديد إلى المجلس العسكري!

فدفع الإخوان المسلمون بأحد أبرز قادتهم السياسيين، (الدكتور محمد مرسي) كمرشح لرئاسة الجمهورية، وبفوزه قاد مرسي المعارك كلها..

فتمكَّن مرسي من انتزاع سلطة التشريع من المجلس العسكري، ليتولَّاها مجلس الشورى، فأكمل ما بدأه مجلس الشعب قبل حَلِّه.

كما تمكن الرئيس مرسي من حماية الجمعية التأسيسية لوضع الدستور،  فاستفتى الشعب عليه، وتمت الموافقة عليه بأغلبية مريحة.

فتحقق بذلك أكبر إنجاز للثورة، حين استعاد الشعب (الشرعية)، من خلال مؤسساته الثلاثة المنتخبة، سلطة التشريع والرئاسة والدستور..

 

معركة تحقيق الإنجاز

نجح الرئيس مرسي في تشكيل حكومة وطنية برئاسة شخصية مستقلة (الدكتور هشام قنديل)، بعد أن رفضت قوى المعارضة التعاون معه!

وكان من أبرز وزرائها من الإخوان: الدكتور باسم عودة وزير التموين، والذي عُرف باسم (وزير الغلابة)، والدكتور أسامة ياسين وزير الشباب، والدكتور عبد الله شحاتة نائب وزير المالية، ومن غير الإخوان المهندس حاتم عبد الحميد وزير الصناعة.. وكلهم من الشباب.

فشهد الشعب المصري من هؤلاء وغيرهم، إنجازاً حقيقياً، خالياً من الفساد والمحسوبية والرشوة.

ونشأت بذلك معادلة جديدة للحكم، تستند إلى شرعية (الشعب) لا إلى شرعية (القوة)، لتبدأ بعدها أولى معارك مرسي مع منظومة الفساد، والتي إفتتحها بـ (ساويرس)، رجل مبارك المدلل، كأحد رجال الأعمال المتهربين من الضرائب. مما هيَّج قوى الثورة المضادة على الرئيس والإخوان، فبدأت سلسلة من (الإنقلابات الناعمة)..

لكن الرئيس أفشلها جميعاً، فكان الإنقلاب العسكري الصريح في 2013، ذلك الإنقلاب الذي مهدت له القوى العلمانية وأيدته وروجت له..

الإخوان.. يقودون معركة الشرعية

فقاد الإخوان المسلمون الرافضين للانقلاب دفاعاً عن الشرعية، فأَعمل فيهم الانقلاب آلةَ بطشه وتنكيله، مستخدماً في ذلك أكثر الأساليب وحشية.

وبرغم مرور عشر سنوات (2013-2023) على تنكيل الانقلاب بالإخوان، إلا أنه فشل في القضاء عليهم، أو شغل الفراغ الذي نشأ عن غيابهم، أو تقديم إنجاز يضاهي إنجازهم، ولازال الإخوان المسلمون مرابطين في موقع المقاومة لا المعارضة، رفضاً للانقلاب ودفاعاً عن شرعية الشعب وإرادته.

وهكذا انتقل الإخوان المسلمون بنضالهم السلمي، من (الإسلام هو الحل) إلى (الدفاع عن الشرعية)، في معركة طويلة الأنفاس، باهظة الأثمان.

فخسرت العلمانيةُ الشعبَ، في معركة (الشرعية)، بتحالفها مع الانقلاب! كما خسر اليسارُ الشعبَ، في معركة (الحرية)، بتحالفهم مع عبد الناصر!

وحدهم الإخوان المسلمون، من بَقَوا في خندق الشعب، مدافعين عن الشرعية ومتمسكين بالحرية، ليكونوا هم فرس الرهان في مستقبل الأيام!