ممدوح الولي
خبير اقتصادي – نقيب الصحفيين الأسبق
كلما أخفق النظام المصري في تحقيق ما وعد به المواطنين من تحسن لمستوى معيشتهم، راح يبحث عن مبرر لذلك الإخفاق، ليروج إعلام الصوت الواحد لتلك المبررات لتحويلها إلى مسلّمات، دون السماح للمتخصصين بمناقشة تلك المبررات وبيان مدى صحتها.
ومع قرب الانتخابات الرئاسية وتراجع مستوى معيشة المواطنين، بسبب غلاء أسعار السلع والخدمات غير المسبوق، يتم إعادة ترديد مبررات الإخفاق من وجهة نظر رأس النظام، والابتعاد تماما عن ذكر المبررات الحقيقية لذلك الإخفاق من وجهة نظر المتخصصين، من غياب التخطيط والتهوين من أهمية دراسات الجدوى للمشروعات، وإهدار الموارد على مشروعات لا تمثل أولوية مجتمعية.
وهكذا يعيد النظام ترديد مبررات: أحداث ثورة يناير عام 2011، ووباء كورونا وآثاره السلبية على الاقتصاد، والتداعيات السلبية للحرب الروسية الأوكرانية والزيادة السكانية، مما يدفعنا لتناول مدى تأثير تلك العوامل الأربعة التي يرددها رأس النظام، من خلال البيانات الاقتصادية الرسمية وبيانات الجهات الدولية، التي تعتمد في بياناتها على بيانات الجهات المحلية.
أولًا - الآثار السلبية لثورة الخامس والعشرين من يناير 2011: حيث ذكر رأس النظام الحاكم مؤخرا، أنها تسببت في تحقيق خسائر للاقتصاد المصري آنذاك بلغت 400 مليار دولار، وبالعودة إلى بيانات البنك الدولي حول حجم الاقتصاد المصري عام 2011، الذي يعبر عنه الناتج المحلي الإجمالي، فقد بلغ الناتج في ذلك العام 236 مليار دولار مقابل 219 مليار دولار في العام السابق، أي إن الناتج قد زاد خلال عام الثورة المصرية بنحو 17 مليار دولار.
نمو الاقتصاد بعام الثورة المصرية
وهذا ما تؤكده بيانات صندوق النقد الدولي حين ذكرت أن الاقتصاد المصري، قد زاد معدل نموه خلال عام الثورة بنسبة 1.8 في المائة مقابل معدل نمو بلغ 5.1 في المائة بالعام السابق، وها هي بيانات منظمة التجارة الدولية تشير إلى زيادة قيمة الصادرات السلعية خلال عام الثورة بنحو 4.1 مليار دولار، بالمقارنة بقيمة الصادرات في العام السابق، بينما انخفضت المتحصلات الخدمية بقيمة 4.5 مليار دولار بالمقارنة بالعام السابق.
وعوض ذلك، وحسب بيانات البنك المركزي المصري، ارتفعت قيمة تحويلات العمالة المصرية في الخارج بنحو 1.89 مليار دولار خلال عام الثورة عن العام السابق، وارتفعت المعونات الخارجية بقيمة 889 مليون دولار.
وأشارت بيانات وزارة المالية المصرية إلى تراجع إيرادات الموازنة الحكومية، خلال العام المالي 2010/2011 الذي ينتهي آخر يونيو 2011، بقيمة 2.8 مليار جنيه، أي ما يعادل 467 مليون دولار بسعر الصرف حينذاك، لكن إيرادات الموازنة زادت في العام المالي التالي (2011/2012) بقيمة 38.3 مليار جنيه، أي ما يعادل 6.3 مليار دولار بسعر الصرف حينذاك.
ومما سبق، يتضح أن مقولة خسارة الاقتصاد المصري 400 مليار دولار بسبب الثورة ليس لها سند من قبل البيانات الرسمية المحلية والدولية.
ثانيًا - التداعيات السلبية لفيروس كورونا: استمر الأثر السلبي لظهور فيروس كورونا في مصر، من أواخر شهر مارس 2020 وحتى نهاية يونيو من العام نفسه، وسبق ظهور كورونا انتهاء برنامج الإصلاح الاقتصادي لمصر مع صندوق النقد الدولي منتصف 2019، مما يعني قدرة الاقتصاد الذي حظي بقدر كبير من ضخ الأموال الخارجية على مواجهة الصدمات، ورغم ذلك فقد حظي بقروض سخية من صندوق النقد لمواجهة تداعيات كورونا.
استيعاب آثار كورونا خلال عام واحد
وتشير بيانات البنك المركزي المصري إلى انخفاض قيمة الصادرات السلعية خلال عام الوباء بقيمة 3.4 مليار دولار، لكن باتجاه مغاير زادت قيمة تحويلات المصريين في الخارج بقيمة 2.87 مليار دولار، مع انخفاض إيرادات السياحة بنحو 8.6 مليار دولار وصافي الاستثمار الأجنبي المباشر بنقص 3.2 مليار دولار، واستثمارات الحافظة بنقص 7.8 مليار دولار وإيرادات قناة السويس بنقص 164 مليون دولار.
وعلى الجانب الآخر، زادت إيرادات الخدمات بخلاف السياحة والقناة بقيمة 128 مليون دولار، كما زادت إيرادات القروض والودائع الأجنبية بقيمة 11.2 مليار دولار.
وفي عام 2021، زادت إيرادات النقد الأجنبي من العديد من الموارد، بزيادة 11.4 مليار دولار للصادرات السلعية، وزيادة 4.5 مليار دولار للسياحة، وارتفاع 3.5 مليار دولار لاستثمارات الحافظة، وزيادة 1.9 مليار دولار لتحويلات المصريين في الخارج، وزيادة 722 مليون دولار لقناة السويس عن عام ظهور الوباء، وزيادة 692 مليون دولار لخدمات النقل، كما زادت حصيلة الخدمات الأخرى بقيمة 595 مليون دولار، وبلغت الزيادة في القروض والودائع الأجنبية 7.4 مليار دولار، مما يعني عمليا استيعاب أي آثار سلبية على موارد النقد الأجنبي في سنة ظهور الوباء بعد عام واحد.
7 أشهر لتأثر أسعار الغذاء بالحرب الروسية
ثالثا- آثار الحرب الروسية الأوكرانية: نظرا لتركز استيراد مصر للحبوب خاصة القمح والذرة من روسيا وأوكرانيا، فقد تأثرت بارتفاع أسعار الحبوب وزيوت الطعام عالميا والوقود، لكنها استفادت من الأزمة أيضا، فمع التضييق الأوروبي على استيراد الطاقة من روسيا، استفادت مصر من تصدير الغاز الطبيعي لأوروبا، ومع التضييق الأوروبي على صادرات الأسمدة الروسية، زادت حصيلة صادرات الأسمدة المصرية.
ومع سعي روسيا لتصدير بترولها وغازها الطبيعي إلى أسواق أخرى أبرزها جنوب آسيا، زادت معدلات عبور السفن المحملة بالوقود في قناة السويس سواء باتجاه آسيا أو باتجاه أوروبا، من خلال زيادة صادرات الطاقة الخليجية لأوروبا، أو إعادة الهند وغيرها تصدير النفط الروسي بعد تكريره إلى أوروبا.
وفيما يخص أسعار الغذاء، فقد كان مؤشر أسعار الغذاء الذي تعده منظمة الأغذية والزراعة، قد بلغ 135.6 نقطة في الشهر السابق للحرب الروسية الأوكرانية، وتسببت الحرب في ارتفاعه حتى بلغ 159.7 نقطة في مارس الشهر التالي للحرب، لكنه ظل ينخفض بعد ذلك تدريجيا حتى عاد لمستواه قبل الحرب بعد خمسة أشهر فقط من تلك الذروة، واستمر في الانخفاض خلال الشهور التالية حتى بلغ 121 نقطة في الشهر الماضي، مما يعني أن أثر الحرب على مؤشر أسعار الغذاء لم تزد عن سبعة أشهر فقط.
رابعا- الأثر السلبي للزيادة السكانية على التنمية: ويرد على ذلك بيانات جهاز الإحصاء الحكومي بتراجع معدل الزيادة الطبيعية من 24.9 في الألف عام 2012 إلى 15.4 في الألف بالعام الماضي، نتيجة انخفاض أعداد المواليد، وهو ما ذكره المسؤولون لرأس النظام المصري، لكنه يريد خفضا بمعدلات أعلى لزيادة المواليد.
تحويلات المغتربين وعلاج نقص الدولار
ويتناسى هؤلاء دور الثروة البشرية في الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمي، وأثر تحويلات المصريين العاملين في الخارج في مساندة الدولة المصرية في أزماتها المتكررة، حيث ظلت تلك التحويلات لسنوات طويلة تمثل المورد الأكبر للنقد الأجنبي، ولم يسبقها ببعض السنوات خاصة خلال فترة الحكم الحالي سوى الاقتراض الخارجي.
وفي العام الماضي، وحسب بيانات البنك المركزي بلغت متحصلات تحويلات العمالة 28 مليار دولار، منخفضة بنحو 3.1 مليار دولار عن العام السابق، بسبب سعر الصرف الرسمي الأقل كثيرا من السعر في السوق الموازي. ورغم ذلك الانخفاض، فلم يسبقها سوى قيمة القروض الخارجية، وظلت أكبر من الصادرات غير البترولية ومن الاستثمار الأجنبي المباشر، ومن إيرادات السياحة، ومثلت أربعة أضعاف دخل قناة السويس.
ومع اشتداد أزمة نقص العملات الأجنبية، كان المغتربون هم الملاذ، من خلال شراء سيارات من الخارج يدفعون قيمة رسومها بالدولار، ومن خلال إدخال كميات من الذهب لزيادة المعروض منه محليا لتهدئة ارتفاع أسعاره، وشراء أراض ووحدات سكنية حكومية بالدولار، ودفع رسوم الخدمات التي يحصلون عليها من القنصليات المصرية بالدولار والعملات الأجنبية، وغير ذلك من الوسائل التي تبتكرها الحكومة كل فترة للحصول على المزيد من دولارات المغتربين، الذين استخدم جانب من ودائعهم الدولارية في البنوك المحلية لسداد ما عليها من التزامات خارجية، رغم عدم تقديم خدمات لهم، وكون نسبة كبيرة منهم من الأميين، وكان الأجدى للحكومة تقديم التدريب المتخصص لهم قبل سفرهم لتعظيم العائد منهم، والاستفادة من تلك الثروة البشرية بالمزيد من وسائل التنمية البشرية.