د. علي القره داغي

الأمين العام للاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

 

انتخابات تركيا غاب فيها التنافس على الخدمات والمصالح الاستراتيجية، فحولتها المعارضة إلى صراع أيديولوجي وطائفي، وكراهية وعنصرية ضد المهاجرين.

لا يحتاج المراقب والمتابع لانتخابات تركيا الأخيرة إلى مزيد من العناء والبحث للوصول إلى مجموعة من النتائج الخطيرة، ورصد مجموعة أخرى من الظواهر غير الطبيعية للانتخابات النزيهة التي يراد منها الوصول إلى ما يحقق الخير للبلاد والعباد.

 

ونحن هنا نذكر جملة من هذه النتائج الخطيرة والظواهر غير الطبيعية، وهي :

أولاً: استطاعت المعارضة بأدواتها الإعلامية والدعم الخارجي أن تحول الانتخابات إلى صراع أيديولوجي بين الإسلام، وضده مع أن الغالبية العظمى من الشعب التركي مسلمون، حيث رفع كمال كليجدار شعاراً علمانياً حاداً فاصلاً استعمل فيه كل ما يؤدي إلى كراهية الإسلام، وإبعاده عن الساحة، وإبرازه كأنه دين رجعي ضد الحضارة والعمران مع أن الحقائق تعارض ذلك، وتؤكد على أنه الدين الوحيد الذي تبدأ أول آية وسورة بالأمر بالقراءة الشاملة للقرآن الذي هو كتاب الله المسطور، والكون الذي هو كتاب الله المنظور، قراءة علم واستخراج لما فيه من الخيرات والبركات في ضوء القيم الإيمانية والأخلاق حتى لا يتحقق الفساد والضرر في الكون والمناخ والأوزون.

 

ثانياً: غابت غيبة كلية عن المعارضة عين الإنصاف عن كل هذه الإنجازات العظيمة التي تحققت طوال أكثر من عشرين سنة من حكم الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية في مختلف المجالات، الصناعات المدنية والعسكرية، والاقتصادية، والزراعية، والاجتماعية، والصحية، والضمان الاجتماعي ونحو ذلك.

فقد عميت أعين المعارضة عن كل ذلك فلم تر شيئاً من ذلك يستحق الإشادة، وهذا أمر مذموم إنسانياً وحضارياً ناهيك عن الإسلام الذي أمر المسلمين بالعدل والإنصاف في جميع الأحوال حتى في حالة الحرب والبغض فقال تعالى : {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}المائدة 8

أنا أشهد أنني زرت اسطنبول عام (1980م) وبقيت فيها شهرين للاطلاع على مخطوطات مكتبة السليمانية، ثم تواصلت زيارتي وفتحت مكتباً عام 1994م في إحدى العمارات المطلة على شارع (وطن جادسي) فلم يكن الماء يصل إلى مكتبنا، واستأجرنا شخصاً لتزويدنا بالمياه الصالحة للغسيل والحمامات، وهذا الشارع – الذي يعد من أجمل الشوارع اليوم – كان مهملاً بكل ما تعني الكلمة، وكذلك بقية الشوارع والأزقة أكثر إهمالاً، بل إنني تألمت حينما دخلت في بعض الأزقة في الفاتح كان علي أن أضع شيئاً على  فمي وأنفي لشدة الروائح وظهور بعض المجاري.

وهذه حقيقة ناهيك عن التقدم الاقتصادي والصناعي والاجتماعي والصحي الذي شهدته تركيا خلال العقدين الأخيرين.

 

ثالثاً: إن هذه الانتخابات أخذت حجماً كبيراً، بل دخلت فيها الدول، واعتبرت الدول الغربية كأنها معركة بينها وبين الإسلام، أو كأنها حرب بين الدولة العثمانية – مع أنها تآمرت على إسقاطها وانتهت – وبين الدول المسيحية !!

مع أن الدولة التركية الحالية تسير وفق ديمقراطية نزيهة – باعتراف الجميع-  فكان المفروض أن يرحبوا بها، لكنها ازدواجية الغرب ونفاقه قد ظهرا بوضوح دون غطاء وتغطية، فقد وضعوا إسقاط الرئيس أردوغان هو الهدف الأول والأخير.

 

رابعاً: إن الانتخابات المقبولة لدى الغرب هي التي يكون التنافس فيها حول البرامج التي تقدم أفضل الخدمات والمشاريع للشعب، وعندئذ يكون الاختبار والانتخاب من قبل الشعب على هذا الأساس.

ولكن الانتخابات الأخيرة والجارية حولتها المعارضة والقوى الإعلامية الخارجية إلى صراع أيديولوجي، بل طائفي بامتياز، فقد قال المرشح الرئاسي : كمال كليجدار أوغلو ( أنا علوي) كما في قناة 24 الفرنسية في 20 / 4/ 2023م ووسائل الإعلام ،وبذلك تعارض مع علمانيته وليبراليته – إن صدق –

وكذلك صرحت رئيسة أحد الأحزاب المتحالفة مع كليجدار  بأن على الشعب التركي أن يختار بين علي ومعاوية، وقد قمت برد مفحم عليها في وقتها.

 

خامساً: غاب عن الأحزاب العلمانية التي تدعي الانتماء إلى الشعب الكوردي أي توازن مصلحي لصالح الشعب الكوردي، فانحازت إلى حزب له تاريخ طويل في اضطهاد الأكراد، وعدم الاعتراف حتى بقوميتهم، بل سماهم : أتراك الجبل في حين أن الرئيس أردوغان، وحزب العدالة قد قاموا بتحقيق المساواة بين جميع مكونات تركيا، من حيث اللغة وغيرها، وكان بإمكان هذه الأحزاب لو تعاونت مع الرئيس أردوغان  أن يتحقق الكثر والأكثر، ولكنها فضلت الأيديولوجية على مصالح الشعب الكردي.