أكد الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي إن حكومة السيسي وضعت نفسها تحت مقصلة الأموال الساخنة التي يمكن أن تخرج في أي وقت بل شدد أن وجودها أيضا مشكلة.
وقال "الصاوي" في مقال بعنوان "احتمالات قوية لعودة أزمة الدولار إلى مصر": "لقد وضعت الحكومة المصرية نفسها تحت مقصلة الأموال الساخنة، التي هي مشكلة، في حالة وجودها أو خروجها، فوجودها يعني مزيداً من أعباء الدين، وخروجها يعني خللاً في سعر الصرف، وتراجع الاحتياطي النقدي، وإرباكاً في حركة الواردات وخلافه".
وحذر من أنه "إذا تحقق السيناريو الأسوأ القائم على افتراض خروج الأموال الساخنة، فسيكون الوضع في مصر مدعاة لمشكلات اقتصادية كبيرة، متمثلة في التضخم وخفض قيمة الجنيه، وانخفاض معدل المدخرات المحلية، واتجاه الأفراد للدولرة وشراء الذهب.".
متسطردا أن "الحل هو أن تتبنى مصر سياسة اقتصادية جديدة، وإن كانت تستلزم بعض الوقت إلا أنها ناجعة، وذلك بالعمل على تشجيع الإنتاج والاستثمار، بخاصة في القطاعات الرئيسة، من زراعة وصناعة، والبعد عن الاعتماد على القروض والأنشطة الريعية".
تهديد الساخنة
ولفت الخبير الاقتصادي إلى أن "وزير المالية السابق محمد معيط كان قد صرح بأنهم قد تعلموا الدرس، ولن يلجؤوا إلى الأموال الساخنة مرة أخرى، لكن بعد أن توصلت مصر إلى السماح بصرف باقي شرائح قرضها مع الصندوق، وتنفيذ بعض الإجراءات، من تخفيض قيمة الجنيه ورفع سعر الفائدة، أصبحت سوق الدين الحكومي المصري مهيأة لعودة تعامل الأجانب في أذون وسندات الحكومة، ما اضطر حكومة السيسي للعودة إلى الأموال الساخنة لتخفيف وطأة أزمة العجز في النقد الأجنبي".
وأشار إلى أن عامل الحذر الرئيسي هو أن " ..عوامل هروب هذه الأموال مرة أخرى مرشحة بقوة خلال الفترة القادمة، لسببين، الأول قرار البنك الفيدرالي الأميركي خفض سعر الفائدة 0.5% وتوقعات مواصلة الخفض في الاجتماعات المقبلة للبنك، ومخافة أن تتجه مصر لإجراء مماثل وتخفض سعر الفائدة، والأمر الثاني زيادة المخاوف السياسية والأمنية بالمنطقة نتيجة حرب الإبادة الصهيونية في غزة ولبنان".
حلول سريعة
وطالب الصاوي للخروج من هذا الخطر أنه "لا بد من إعادة النظر في توجيه الاستثمارات المحلية والأجنبية، بحيث تبتعد عن قطاع السياحة والعقارات، أو المضاربات في البورصة وأدوات الدين الحكومية، فثمة مخاطر كبيرة يعيشها الاقتصاد العالمي، تستلزم بناء قاعدة إنتاجية قوية، والاعتماد على إيرادات حقيقية ولها صفة الاستمرار. كما أن ترشيد الإنفاق على المشروعات العامة أو القطاع العام، التي تستلزم تدبير نقد أجنبي، أصبح ضرورة ملحة لا ينبغي تأجيلها".
عودة أزمة الدولار إلى مصر
وقال: "إنّ الوضع المالي يشهد زيادة حدة أزمة نقص الدولار منذ مارس 2022 حتى أوائل 2024، إذ نشطت السوق السوداء، وجرى فرض القيود على سحب الدولار من البنوك، وكذلك وُضعت قيود على الواردات، شملت بعض السلع الأساسية، ما أدى إلى تعطل بعض الصناعات والخدمات، وأوجد أزمة في توفير بعض الأدوية الضرورية".
وأردف، "وبالعودة إلى الوراء، نلحظ أن أزمة الدولار في مصر ظلت مستحكمة، حتى أتت صفقة رأس الحكمة لتوفر سيولة دولارية بنحو 25 مليار دولار خلال الفترة من فبراير إلى مايو 2024، وصاحبت ذلك انفراجة في شرائح صندوق النقد الدولي، ما ساعد على سداد بعض التزامات الدين الخارجي، وتحسين أداء الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي، وهدأت كذلك أزمة السوق السوداء للدولار، ورُفع رصيد احتياطي النقد الأجنبي، الذي وصل نهاية سبتمبر الماضي إلى 46.7 مليار دولار".
الأزمة تتجدد
وأوضح أنه "مع التطورات الخاصة بالحرب الصهيونية على غزة وتوسعها لتشمل لبنان، بدأت الأموال الساخنة في مصر تأخذ حذرها، فتقلصت في أغسطس الماضي بنسبة 7% – 8%، حسب تصريح مدبولي رئيس وزراء السيسي.
واستعان في قراءته التحليلية بـ"تقديرات البنك المركزي حول الأموال الساخنة في مصر أنها بلغت 37.4 مليار دولار في مايو 2024.
وإن كانت بيانات البنك المركزي قد كشفت في النشرة الإحصائية لشهر يوليو 2024 أن رصيد الأجانب من أذون الخزانة قد تراجع في يونيو 2024 بنحو 6.6 مليارات جنيه، مقارنة بما كان عليه الوضع في مايو، وبلغت نسبة التراجع قرابة 0.3%.".
وتابع: "إذا كان رئيس الوزراء قد أشار في أغسطس إلى أن الأموال الساخنة تراجعت بنسبة 7% – 8%، أي بعد البيانات الرسمية للبنك المركزي، فمعنى ذلك أن معدل خروج الأموال الساخنة في تزايد. ويساعد على هذا الاستنتاج أن الحرب الصهيونية على غزة ولبنان لا تزال قائمة وتتوسع مع الوقت، ولا تلوح في الأفق بادرة حلول سلمية بشأنها".
بيانات بوادر التجدد
وعن قراءة الأرقام المعلنة، أوضح أنه "على الجانب الآخر، تفيد بيانات البنك المركزي أن صافي الأصول الأجنبية بالجهاز المصرفي المصري أخذ في التراجع في أغسطس 2024 بنحو 3.5 مليارات دولار، إذ بلغ 9.7 مليارات دولار، بينما كان في يوليو 13.2 مليار دولار".
ونقل عن بيانات المركزي المصري إضافتها أن الأصول الأجنبية للبنوك التجارية تحولت إلى عجز بعد أن كانت وصلت إلى مرحلة الفائض، وقدر العجز في الأصول الأجنبية لتلك البنوك بنحو 535 مليون دولار.
وهذا التراجع في الأصول الأجنبية للمصارف إنما ينم عن المزيد من الاستخدامات الدولارية، سواء من قبل حكومة السيسي أو القطاع الخاص أو العائلي، ما يؤدي إلى استدانة البنوك من الخارج، ويتوقع ألا تكون هناك صفقات مماثلة لرأس الحكمة في الأجل القصير.
كما أجّل صندوق النقد الدولي، مؤخراً، موافقته على الشريحة الرابعة من قرضه لمصر، ما يبعث برسائل سلبية للمستثمرين الأجانب في الأموال الساخنة.
ميزان الدفوعات كاشف آخر
وقال إن ميزان المدفوعات للعام المالي الفائت (23-24) ينذر بالخطر، وأنه "يبين أن المشكلة المتعلقة بوضع الدولار في مصر مستمرة، وأن التحسن الحاصل في الميزان المالي والرأسمالي ناتج عن زيادة تدفقات الأجانب في الدين الحكومي، وكذلك الأموال الناتجة عن صفقة رأس الحكمة.
وبينما تحقق البيانات الرئيسة لتدفقات النقد الأجنبي، التي يعتمد عليها الاقتصاد المصري ولها صفة الديمومة، أداءً سلبياً، فنجد أن عجز الميزان التجاري ارتفع من 31 مليار إلى 39.5 مليار دولار، كما أن الصادرات السلعية تراجعت من 39 مليار إلى 32.5 مليار دولار.
ولفت ضمنا إلى تراجع الصادرات البترولية من 13.8 مليار دولار إلى 5.7 مليارات دولار، ليكون عجز الميزان التجاري لقطاع البترول نحو 7.6 مليارات دولار، ما يعني أن الأزمة مستمرة خلال الفترة القادمة في ظل تراجع إنتاج حقل ظهر، وكذلك زيادة الاستهلاك عن معدلات الإنتاج المحلي من النفط والغاز على مدار نحو سنتين، ما يجعل مصر مستورداً صافياً للطاقة، وبالتالي استمرار الاحتياج لتدبير نقد أجنبي.
واردات غير بترولية
وعن الواردات غير البترولية، فأشار إلى أنها زادت بنحو 1.3 مليار دولار عام 2023/ 2024، حتى وصلت قيمتها إلى 58.7 مليار دولار مقابل 57.3 مليار دولار العام الماضي.
كما تراجعت تحويلات العاملين بالخارج بنحو 164 مليون دولار، حيث بلغت 21.9 مليار دولار مقابل 22.07 مليار دولار العام الماضي.
والمؤشر السلبي هنا هو ما يخص تحويلات العاملين بالخارج، وإن تراجعت بنسبة طفيفة جداً.
وفي نفس الوقت، لوحظ منذ عدة أشهر أن السوق السوداء بدأت تعاود نشاطها على استحياء، بسبب حاجة التجار والمصنعين للدولار.
ونتيجة للتداعيات السلبية على الاقتصاد المصري الناتجة عن تعطيل حركة الملاحة في البحر الأحمر، تراجعت إيرادات قناة السويس خلال عام 2023/ 2024 بنسبة 24% مقارنة بالعام الماضي، إذ بلغت 6.63 مليارات دولار بعد أن كانت العام الماضي 8.75 مليارات دولار.
الخبير الاقتصادي عبدالحافظ الصاوي في رؤية الاحتمالات لعودة أزمة الدولار أكد أن بعض القضايا الاقتصادية لا تحتاج لمزيد من التحليل أو التفكير، فحينما يكون لدى دولة ما عجز في مواردها الدولارية، واستطاعت أن تخرج مؤقتًا من تلك الأزمة عبر مسكنات متمثلة في إيرادات غير دائمة، فمن الطبيعي أن تعود المشكلة كما كانت، بل أشد.