منذ عام 1977 والعالم يحيي اليوم الدولي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، الذي يعاني شتى الويلات منذ عام 1948. ومن أبرز هذه الويلات وأقساها أنه منذ 7 أكتوبر2023 إلى اليوم سقط في أرض غزة 44235 شهيداً منهم 17492 طفلاً و11979 امرأة و2421 مسناً.

كيف يمكن توصيف مسار التضامن الدولي الذي انطلق من 47 سنة، وقنوات الأخبار تنقل بالصوت والصورة استشهاد هذا العدد الهائل من الفلسطينيين على امتداد 13 شهراً؟

نطرح هذا السؤال على هامش إحياء هذا اليوم الدولي الذي يصادف اليوم. وبالنظر إلى عراقة هذا المسار، فإن الملاحظة الأولى هي أن عمر هذا التضامن طويل. والمعروف أن التضامن كمفهوم ومعنى وفكرة، إنما مرتبط بموقف أو بحادثة محددة هي نفسها في الزمن. وتظهر جدوى التضامن في ذروة الحدث أو الحادثة. بمعنى آخر، فإن التضامن المفتوح في الزمن يفقد مع مرور الوقت تلك الشحنة المكثفة القوية التي تميز عملية التضامن وتعمل وفقها.

لذلك ولما كانت معاناة الشعب الفلسطيني المعني بالتضامن طويلة وتاريخية ومفتوحة زمنياً، ولما أصبحت بوصلة تحديد اتجاهات الصراعات ووتيرتها في منطقة الشرق الأوسط مرتبطة بالقضية الفلسطينية، فإن فكرة التضامن مع الشعب الفلسطيني أنتجت عمليات تضامن متفرعة عن الفكرة الأم، تحصل كلما رفع العدوان الإسرائيلي سقف التنكيل والقتل والتشنيع بالشعب الفلسطيني.

لو نرسم معاً خطاً بيانياً لمسار التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني من عام 1977 إلى اليوم سنجد منخفضات ومرتفعات عدة: والمنخفضات تفوق المرتفعات بكثير.
 

ماذا يعني هذا الخط البياني كثير المنخفضات قليل المرتفعات؟
إن المعنى واضح جداً: نحن أمام تضامن يشبه النزوة في شغفها وفي سرعة برودها وتلاشيها. ودليلنا على هذا التقويم السلبي لمسار التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني هو أنه تضامن بلا فائدة ومن دون أثر يذكر. ولو كان تضامناً فعالاً لتخلص العالم من شيء اسمه الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي، ولعاش الفلسطينيون في أرضهم وأقاموا دولتهم كاملة السيادة. حتى زيتون فلسطين كان سيحتفي حتماً بعودة شعبه المشتت في شتى بقاع العالم.

طبعاً التضامن أشكال ومستويات، ومشكلة القضية الفلسطينية أنها خسرت وهج التضامن العربي الفعال والملموس من تاريخ حرب الخليج الأولى، حيث يمثل هذا التاريخ بداية تشديد الخناق على العالم العربي والإسلامي الذي دفع ثمناً باهظاً جراء تداعيات حروب الخليج وأحداث 11 سبتمبر2001، الأمر الذي شتت اهتماماته وأثقل ميزانياته، وكل ذلك انعكس سلباً على القضية الفلسطينية.

ويظل دعم الشعوب العربية والإسلامية حقيقة ثابتة أكبر من التضامن، لأن فلسطين مكون رئيس من مكونات تركيب الهوية لدى الشعوب العربية والمسلمة، وهذا يخفف من منخفضات التضامن الدولي ويحفظ حياة القضية.

لنأتي الآن إلى النقطة السوداء، التي من المهم ألا تهرب منها الدول القوية والمنظمات الأممية، وهي أن فشل التضامن الدولي في حماية الشعب الفلسطيني بات حقيقة واضحة، والأكثر وضوحاً أن بقاء القضية من دون حل يلبي مجموعة من المصالح الدولية مجتمعة. لذلك فإن إسرائيل فاعلة العدوان والتنكيل والقتل ليست وحدها المسؤولة عن معاناة الشعب الفلسطيني، بل وإنما العالم بتواطؤه معها مسؤول أيضاً.

كما أن فشل التضامن الدولي في حماية الشعب الفلسطيني بات المرآة التي من خلالها نرى أزمة الضمير العالمي والكم الهائل من الأزمات التي تعيشها الإنسانية اليوم.

ففي هذا اليوم، حري بالعالم الحرج وبالمنظمات الأممية محاسبة نفسها ومراجعة مصداقيتها، حيث إن دفاعها المعلن عن حقوق الإنسان وحرصها المعلن عن تنفيذ خطة التنمية المستدامة لـ2030، كل هذا يتكسر فوق القضية الفلسطينية ويفضح مع كل سقوط لشهداء جدد.

ويبدو لنا أن التضامن الحقيقي الذي يعول عليه والقادر فعلاً على وضع حد لمعاناة الشعب الفلسطيني، هو التضامن العربي المشروط بدوره بقوة البلدان العربية وتحقيق نهضة اقتصادية كبرى، تحولها إلى رقم دولي صعب وهكذا يمكن للصوت العربي أن يكون عالي النبرة وقوياً في التفاوض وشرساً في فرض الشروط.

فمن الآن وإلى أن تتحقق النهضة الاقتصادية والتنمية وامتلاك القدرة على التأثير في الأسواق وفي عالم التجديد والابتكار... ساعتها ستتوقف المعاناة التي انطلقت من عام 1948. أما راهناً فالتضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني فهو تضامن بدرجة حرارة تحت الصفر!