تتوالى في مصر أصوات الاحتجاجات العمالية بشكل متزايد، حيث ترتفع مطالب العمال بتحسين أوضاعهم في المصانع والشركات الحكومية، تلك التي تندرج تحت قطاع الأعمال العام أو القطاع الخاص. تتصاعد هذه المطالب من مجرد اعتراضات على سياسة الإدارات إلى تنظيم وقفات احتجاجية، ثم الإضراب عن العمل، مما يضع النظام في مواجهة مباشرة مع هذه الحركات. بينما تتعامل السلطات مع هذه الاحتجاجات بطرق شديدة، منها توقيف بعض العاملين، وإخفائهم قسريًا، ومحاكمتهم.
في بلد يبلغ عدد سكانه أكثر من 106 ملايين نسمة، يعاني ثلثا سكانه من الفقر أو ما تحت خط الفقر، ومعظم هؤلاء من العمال. يُحدد الحد الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص بـ 6 آلاف جنيه شهريًا (126.49 دولارًا)، وهو مبلغ لا يزال يتعرض للضغط بسبب الارتفاعات الكبيرة في أسعار السلع، وتضخم بلغ 35% في مارس الماضي، إلى جانب رفع الحكومة لأسعار الوقود والكهرباء والخبز المدعم، مما يؤدي إلى تآكل الأجور.
في هذا السياق، برزت قضايا عمالية بارزة. على سبيل المثال، كان إضراب عمال شركة "سمنود للنسيج والوبريات" التابعة لقطاع الأعمال العام في محافظة الغربية، الذي بدأ في 18 أغسطس، دليلاً على تصاعد الاحتجاجات. المطالب تمثلت في تطبيق الحد الأدنى للأجور، والذي تحول إلى اعتصام في مقر الشركة، مما أسفر عن اعتقال 10 عمال، بينهم 4 عاملات، وفق بيان "دار الخدمات النقابية والعمالية".
وايضا نظم العاملون بشركة النصر للغزل والنسيج والتريكو “الشوربجي” وقفة احتجاجية ، للمطالبة بمستحقاتهم المالية المتأخرة، وزيادة الحوافز والأجور والوقفة لم تستغرق ساعة واحدة، بعد أن هدد مشرف “وحدة قطاع الجاهز” العمال باستدعاء الأمن الوطني.
شارك في الوقفة عمال القطاع الهندسي وعمال قطاع الغزل وقطاع النسيج، في حين لم تستطع وحدة قطاع الجاهز من الانضمام إلى زملائهم في الوقفة الاحتجاجية، بسبب التهديدات. 
طالب العمال بعودة اللجنة النقابية للشركة إلى العمل لتسهيل حصول الأعضاء على مستحقاتهم، ورفع إيقاف حساب النقابة البنكي الذي أوقفته النقابة العامة، ومساواة عمال الشوربجي بعمال مجمع حلوان في المنحة السنوية، حيث يتقاضى عمال مجمع حلوان ستة أشهر ونصف، بينما يتقاضى عمال الشوربجي خمسة أشهر، فقط، فضلا عن المطالبة بزيادة الحوافز والأجور بالمساواة مع عمال مجمع حلوان، وتنفيذ الدمج المالي وفقا لقرار الدمج الذي تم بموجبه ضم شركة الشوربجي إلي مجمع حلوان الذي يضم شركات (الشركة المصرية للغزل والصوف والتكس ومعدات الغزل وحرير حلوان، والنصر للغزل والنسيج والتريكو ومصر حلوان للغزل والنسيج).

سابقًا لهذا الحدث، احتج عمال شركة "فينيسيا للسيراميك" الخاصة بمدينة السادس من أكتوبر بين 11 و18 أغسطس، بسبب تدني أجورهم عن الحد الأدنى للأجور في القطاع الخاص. رغم أن إدارة الشركة عرضت زيادة قدرها 300 جنيه فقط، إلا أن العمال طلبوا رفع الأجور إلى ألف جنيه، وحرروا محضرًا في "مكتب العمل" ضد الإدارة.
تُظهر دراسة صادرة عن "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" في سبتمبر 2023، أن نسبة الفقراء بين العاملين في الحكومة ارتفعت من 13% إلى 19%، بينما ارتفعت بين عمال القطاع الخاص من 22% إلى 28.5%، ومن بين العاملين في القطاع الخاص خارج المنشآت من 33% إلى 43.1%. ويخلص الباحث مصطفى بسيوني إلى أن "66% على الأقل من العاملين في القطاع الخاص يتقاضون أقل من 4 آلاف جنيه شهريًا، مما يضعهم وأسرهم تحت خط الفقر".
الخبير في التحليل المعلوماتي وقياس الرأي العام يشير إلى أن الحراك العمالي قد يتحول إلى ثورة شاملة مثل انتفاضة عمال غزل المحلة عام 2008 التي مهدت لثورة يناير 2011. ومع ذلك، يعتبر أن هناك عقبتين رئيسيتين قد تعيقان هذا التحول. أولاً، انخفاض حجم العمالة في القطاع العام وقطاع الأعمال بنسبة تزيد عن 68% مقارنة بما كان عليه الوضع في 2008. ثانيًا، فإن النظام المصري يعتبر هذا الملف خطًا أحمر، ويواجه أي حراك عمالي بإجراءات صارمة قد تصل إلى فصل العامل أو حتى إخفائه قسريًا.
في نهاية المطاف، يبدو أن الحراك العمالي، رغم تصاعده، يواجه تحديات كبيرة تحول دون تحوله إلى ثورة شاملة. المخاوف من تدخل الأمن الوطني، والممارسات القمعية، وعدم التوازن في توزيع الأجور، كلها عوامل قد تساهم في إبقاء هذا الحراك محصورًا ضمن نطاق محدود، رغم حجم معاناة العمال المستمرة.