يسعى المختصون النفسيون إلى مد يد العون للناجين من زلزال قهرمان مرعش، وخاصة أولئك الذين يعانون من آثار الصدمات والتغير النفسي بعد كارثة الزلزال.

وتم نقل 410 من مصابي الزلزال من الولايات المتضررة إلى مستشفى أتاتورك للتدريب والأبحاث بجامعة كاتب جلبي بولاية إزمير غرب تركيا، لتلقي الرعاية الصحية في أقسام العناية المركزة وجراحة العظام وأمراض الكلى والصدر والقلب والأوعية الدموية.

وبموازاة ذلك، يعمل المختصون في عيادات الطب النفسي بالمستشفى على محو آثار الصدمات النفسية لدى العديد من الناجين، والتي تظهر على شكل أعراض حزن وتوتر شديد وغضب ويأس.

 

اضطراب ما بعد الصدمة

وقد يتحول هذا التغير النفسي في حال لم يعالج إلى اكتئاب ما بعد الصدمة، الذي من المتوقع أن تعاني منه فئات كبيرة من المتضررين، بينما تكون الحالات الأشد تضررا عرضة لما يعرف باضطراب ما بعد الصدمة. Post-Traumatic Stress Disorder، بحسب ما صرح به أستاذ الطب النفسي، بجامعة رأس الخيمة للطب والعلوم الصحية، طلعت مطر، لموقع "سكاي نيوز".

وأشار الدكتور مطر إلى دراسة نفسية، أجريت على الناجين من زلزال نيبال عام 2015، كشفت بأن 24% من الضحايا تعرضوا لعصاب ما بعد الصدمة.

 

العلاجات النفسية لاضطرابات ما بعد الصدمة

ويحذر الدكتور مطر من تزايد حالات الأشخاص المصابين بالاكتئاب واضطراب ما بعد الصدمة، على الرغم من عدم تواجدهم في مكان الزلزال، وذلك بسبب تأثرهم بمشاهدة ضحايا الكارثة ومناظر الدمار ومتابعتهم للتفاصيل المؤلمة، وكل هذا ولّد لديهم الخوف وأغرقهم في الاكتئاب.

ويقول الدكتور مطر إن احتضان المصابين كبارًا وصغارًا، وتهدئتهم بكلمات تملؤها المحبة الصادقة، والمواساة من الإنسان لأخيه الإنسان كفيلة بالتخفيف من حدة الصدمة، ولا شك أن الإسراع بتوفير الدعم النفسي يساعدهم على تخطي هذه المرحلة الحساسة.

ومن أهم العلاجات النفسية التي تحدث عنها مطر:

- إعادة توجيه الانتباه

يتم تشتيت التركيز على الأحداث المفجعة بإعادة توجيه الانتباه إلى أسلوب جديد للتأقلم مع الحياة، فعلى سبيل المثال يحتاج الأطفال الذين فقدوا ذويهم إلى أداة لإعادة توجيه انتباههم مثل توفير الأنشطة المحببة إليهم كاللعب والرسم والموسيقى مع مجموعة من الأطفال في أماكن رعايتهم أو في عائلات بديلة.

- العلاج بالإيثار

انخراط المصابين بالصدمة في العمل التطوعي، وتقديم المساعدة للآخرين في المحنة التي جمعتهم، يعمل على الحد من خوفهم وتحسين حالتهم النفسية بأنفسهم.

- العلاج الدوائي

يعاني المصاب باضطراب ما بعد الصدمة في الحالات الشديدة، من نوبات الفزع والرعب، فقد تستثير حركة أو إشارة بسيطة مثل اهتزاز أو صوت ذكريات الحادثة بكل تفاصيلها، بالإضافة إلى أعراض أخرى كالأفكار الاقتحامية والأحلام المزعجة.

وهنا يحتاج المريض إلى علاج دوائي يتضمن مثبطات استرداد السيروتونين Beta Blockers ومضادات الاكتئاب SSRIS ومهدئات للنوم بإشراف طبيب مختص.

- علاج خفض التحسس بحركة العين

هو علاج نفسي حديث للشفاء من الصدمات، يعتمد على جلسات تساعد الدماغ على هضم المعلومات المخزنة أثناء الصدمة، التي تكون أشبه بكتلة واحدة، ويقوم المعالج بتفكيك هذه الكتلة من المعلومات- ما بين المخ الأيمن والأيسر- أثناء تركيز المريض على ذكريات الصدمة، وتتبعه بعينيه، حركات يد المعالج في اتجاهات مختلفة.

 

معالجة الصدمات النفسية

وفي السياق ذاته، قال رئيس الأطباء بالمستشفى أورخان كوك آلب، إنه جرى تخريج بعض المرضى بعد تلقيهم الرعاية اللازمة واستقرار حالتهم الصحية، وفقًا لـ"الأناضول".

وأشار إلى أن المشكلة الرئيسة لمعظم المرضى هي الصدمة النفسية التي تعرضوا لها أثناء الكارثة، موضحا أن المتخصصين النفسيين في المستشفى يعلقون أهمية كبيرة على جهود العلاج النفسي لضحايا الزلزال.

وأوضح كوك آلب أنهم استقبلوا مصابين يعانون من كسور في الساق أو إصابات في القفص الصدري وصدمات في الرأس.

وأشار إلى أن "تلك الإصابات حفّزت أمراضًا أخرى موجودة لديهم مثل أمراض الرئة أو القلب. ولا يزال لدينا 5 مصابين يتلقون الرعاية الطبية في وحدات العناية المركزة".

وتابع: "يوميَا أقابل المرضى والمصابين ممن يعانون صدمات جسدية تعرضوا لها بسبب الزلزال، لكنهم في الوقت عينه يعانون أيضَا من صدمة نفسية شديدة، فقدوا أحباءهم لذا فهم حزينون، وقلقون للغاية من الحاضر والمستقبل".

ولفت كوك آلب إلى أن وزارة الصحة التركية وجهت العديد من المصابين والمنتشلين من تحت الأنقاض إلى أطباء ومتخصصين نفسيين من أجل تلقي الرعاية اللازمة.

وبيّن: "لدينا في مستشفى أتاتورك الجامعي عيادات وأقسام لتوفير الدعم النفسي، حيث يجري فحص المصابين المنقولين من المناطق المتضررة بجانب استقبالنا لأي مريض في هذه الفترة دون الحاجة لأي موعد مسبق".

 

طلب الدعم

وقال كوك آلب إن الأشخاص المصابين بصدمات نفسية جراء الزلازل يشعرون بتوتر مستمر، وينزعجون حتى من أدنى صوت يصدر "بما في ذلك صرير السرير".

وزاد: "هؤلاء المصابون يشعرون بشكل مستمر أن زلزالاً ما سيحدث قريبًا وأنهم سيعيشون المأساة والكارثة مرة أخرى".

"حتى إن هناك مرضى يريدون الخروج من المستشفى بسبب ارتفاع طوابقه، ويعبرون عن رغبتهم في العيش على أرصفة الطرقات"، وفقًا لـ كوك آلب.

وأشار إلى أن "القلق من الزلازل مرتفع للغاية، فالمصابون عندنا لا يريدون حتى البقاء في المستشفى".

وذكر أن "جميع أفراد المجتمع بما في ذلك الناجون من الكارثة يشعرون بالحزن الشديد على ضحايا الزلزال".

ومقدما نصائحه للجميع، قال كوك آلب: "إذا بدأت مشاعر القلق التأثير على سير الحياة اليومية فإن أفضل طريقة للتعامل مع مشاعر الحزن هو طلب الدعم النفسي".

 

مكتبة متنقلة للأطفال

ومن جهتها، أرسلت "مكتبة الشعب" بولاية أماسيا التركية، مكتبة متنقلة لدعم الأطفال المتضررين من كارثة الزلزال في ولاية قهرمان مرعش.

وتمركزت المكتبة المتنقلة في ملعب بقضاء بازارجيك في قهرمان مرعش، حيث أقيم مخيم للأهالي الذين تدمرت بيوتهم في الزلزال.

وتضم الحافلة (المكتبة المتنقلة) العديد من الكتب والمواد التعليمية، كما تقدم خدمات الإنترنت والسينما والحاسوب.

ويحاول الأطفال الذين يستخدمون المكتبة المتنقلة نسيان الآثار السلبية للزلزال من خلال أنشطة مختلفة مثل الرسم والرياضيات وألعاب الذكاء.

وفي 6 من فبراير الجاري ضرب زلزال مزدوج جنوبي تركيا وشمالي سوريا بلغت قوة الأول 7.7 درجات، والثاني 7.6 درجات، تبعته آلاف الهزات الارتدادية العنيفة، ما خلف خسائر كبيرة بالأرواح والممتلكات في البلدين.