في ظل عدد من الأزمات المتشابكة في الطاقة والتغذية والاقتصاد والديون المتزايدة على الدول، وخاصة مصر، وأجواء قمعية وتشديدات، انطلقت الأحد قمة المناخ العالمية (كوب 27) في مدينة شرم الشيخ، وسط شكوك متعددة في التزام حوالي 200 دولة مشاركة في تحقيق الالتزامات لحماية المناخ، في قمة يشارك فيها قادة العالم، ومسؤولون رفيعو المستوى في الأمم المتحدة، كما يحضرها آلاف النشطاء المعنيين بالبيئة من كافة دول العالم.

تشكيك ألماني

وعن فرص نجاح مؤتمر المناخ الدولي، الذي يعقد منتجع شرم الشيخ المطل على البحر الأحمر من 6 إلى 18 نوفمبر الجاري، قال الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير خلال ندوة عن سياسة المناخ في مدينة بوسان بكوريا الجنوبية، إن العالم الآن يدخل إلى مرحلة جديدة من الصراع، إن لم يكن بالفعل في مرحلة الصدام، وأضاف “من الصعب أن نتخيل أنه في أوقات الصراع أو حتى الصدام العسكري ستلعب دول مثل روسيا أو الصين دورا بناء خلال مؤتمر شرم الشيخ أو بعده”.

وأضاف شتاينماير “لا بد من تحقيق تقدم، حتى لو لم تكن الظروف من أجل ذلك مشجعة للغاية”، مشيرا إلى اتساع رقعة الصحاري في أفريقيا على نحو مطرد، وإلى فقدان أوربا لآخر الأنهار الجليدية في جبال الألب، وتزايد عدد الظواهر الجوية ذات التأثير المدمر في ألمانيا.

وأعاد شتاينماير التذكير بكارثة الفيضانات التي حدثت في نهر آر بألمانيا العام الماضي، وقال “علينا تسريع مسارنا نحو الحياد المناخي”.

وفي الوقت نفسه، أوضح شتاينماير أن تحويل الاقتصاد بأكمله إلى الحياد المناخي ليس بالأمر السهل في وقت تنفق فيه ألمانيا الكثير من الأموال للحفاظ على الاستقرار في أوربا، ودعم أوكرانيا بالأسلحة وزيادة ميزانية الدفاع، وقال “هذه نفس الأموال التي نحتاج إليها لمكافحة تغير المناخ”.

من جانبه، أبدى الخبير الألماني أوتمار إيدينهوفر، المتخصص في اقتصاديات المناخ، توقعات منخفضة للغاية بشأن المؤتمر الذي سيستمر أسبوعين في منتجع شرم الشيخ الساحلي المصري.

وقال إيدينهوفر، مدير معهد بوتسدام لأبحاث المناخ لصحيفة “فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج” الألمانية“إن الأمر يتعلق أساسا بجلسة لإعادة بناء الثقة”.

ومن بين مشاكل عدة، كما أوضح إيدينهوفر، هناك “نزاعات في توزيع الفوائد بصورة واسعة النطاق”، عندما يتعلق الأمر بالمال على سبيل المثال، من أجل حماية المناخ في البلدان الفقيرة.

وأعرب باحث المناخ مجيب لطيف، رئيس أكاديمية العلوم في هامبورغ، أيضا عن فتور حماسه، إذ أوضح لمجموعة بايرن الإعلامية قائلا “لا توجد مواطن ننفذ منها إلى الحلول”، فالمؤتمرات “غير مثمرة” لأن هناك “أوراقا بها القليل من المضمون يتم الاحتفال بها على أنها تقدم كبير”.

 

خفض الاحتراز الحراري

ومن أهم الأزمات والمشاكل التي تقلل فرصة نجاحها هي وضع حلول جدية لخفض الاحتراز الحراري، حيث شدد الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش"، الأسبوع الماضي، على خفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 45 % بحلول العام 2030، في محاولة لحصر الاحترار المناخي ب1,5 درجة مئوية، مقارنة بالحقبة ما قبل الصناعية، وهو أكثر أهداف اتفاق باريس للمناخ طموحا.

إلا أن التعهدات الحالية للدول الموقعة على الاتفاق في حال احترامها، ستؤدي إلى ارتفاع يراوح بين 5 و10% ما يضع العالم على مسار يفضي إلى ارتفاع الحرارة 2,4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن الحالي.

وهذا الأمر بعيد جدا عن الهدف الرئيسي لاتفاق باريس مقارنة بالحقبة التي بدأ فيها الإنسان يستخدم على نطاق واسع مصادر الطاقة الأحفورية من فحم ونفط وغاز، المسؤولة عن الاحترار.

ومع السياسات المعتمدة راهنا يتجه العالم إلى زيادة قدرها 2,8 درجة مئوية في الحرارة وهو مستوى كارثي.

وعلى ضوء هذه الأرقام، تشدد باتريسيا إسبينوزا الأمينة التنفيذية لاتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ، على الضرورة الماسة على أن يؤكد المشاركون في اجتماع "كوب "27 في شرم الشيخ إلى الالتزام بقرارات شجاعة وملموسة تقوم على أساس خطط تنموية خاصة وبالتالي "التوصل لتحقيق الطموحات المناخية الطارئة".

من جانبه، يعتزم رئيس الوزراء البريطاني "ريشي سوناك" دعوة زعماء العالم المجتمعين في قمة المناخ في مصر، إلى عدم التراجع عن وعد حصر ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة.

وأضاف "سوناك"، في بيان نشره أول الأسبوع الجاري، أن "مكافحة تغير المناخ ليست مجرد أمر صحيح أخلاقيا، بل هي أمر أساسي لازدهارنا وأمننا في المستقبل"، متحدثا عن عواقب الحرب الروسية على أوكرانيا على إمدادات الطاقة، والحاجة إلى "إنهاء اعتمادنا على الوقود الأحفوري".

فيما قال مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأمريكي "جو بايدن"، قبل أيام، إن 40 دولة من أصل 119 تعهدت العام الماضي بخفض انبعاثات غاز الميثان القوي المسببة للاحتباس الحراري (ارتفاع درجة حرارة الأرض) ستكشف عن خططها للقيام بذلك في قمة المناخ.

 

هل تلتزم الدول الغنية بدفع تعويضات الـ 100 مليار دولار؟

من الوعود غير المنجزة والتي تعهدت به الدول الغنية برفع مساعداتها للدول النامية إلى 100 مليار دولار سنويا اعتبارا من 2020، وذلك من أجل خفض الانبعاثات ومواجهة تداعيات التغير المناخي، والذي لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن.

ورغم أن تلك المليارات ستطرح أيضا للعام الثاني على التوالي في مناقشات قمة شرم الشيخ، إلا أن مسألة تخصيص تعويضات مالية عن الخسائر والأضرار التي لحقت بالدول الفقيرة بسبب تغير المناخ، ما زالت تقابل رفضا من الدول الغنية لهذا الطلب.

ويسعى نشطاء البيئة لإقرار آلية خاصة لتمويل "الخسائر والأضرار" بمؤتمر شرم الشيخ ومواصلة الضغط على الدول المتقدمة لتفعيل مبادرة 100 مليار دولار، اعتبارا من 2025، حيث يرى "ميشاي روبرتسون" مفاوض الدول الجزرية الصغيرة، إن حاجات التمويل "تعد بمليارات المليارات"، معتبرا أنه يستحيل تحقيق ذلك من دون مساعدة الدول المتقدمة.

 

السيسي وحده المستفيد

وتنعقد القمة في مصر وسط موجة عارمة من الانتقادات للملف الحقوقي في عهد الانقلاب العسكري، بالإضافة إلى حملة موسعة لاعتقال عشرات النشطاء والصحفين لمواجهة الدعوات المطالبة للتظاهر يوم 11 -11.

بحسب مراقبين فإن قمة المناخ على الرغم من حملات الدعاية الكبيرة، إلا أن المستفيد منها فقط هو نظام السيسي الذي يعتبرها رصاصة الرحمة في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، ولن تحقق للشعب المصري شيئا ولن ترفع قيمة مصر عالميا، كما أنها ليست إنجازا تاريخيا يستحق كل هذا الاحتفاء، لكون مصر ليست أول دولة عربية أو عالمية تستضيف القمة، لقد سبقها عربيا المغرب مرتين وسبقتها قطر، وسبقتها العديد من الدول الأفريقية والآسيوية.

ولفت الخبراء إلى أن النظام المصري مشغول بنفسه، مشغول بالحصول على دعم سياسي واقتصادي دولي يطيل عمره في الحكم بعد أن حاصرته المشاكل التي صنعها بيده، وبسياساته الكيدية، وقبل كل ذلك باغتصابه لإرادة الشعب، والنظام الذي أنفق الكثير على هذه القمة، ودعا لها كبار قادة العالم، وأطلق من أجلها قناة إخبارية بتكلفة مالية عالية.. فالنظام السيسي يريدها زفة دولية.