تصر حكومة عبدالفتاح السيسي على إغراق مصر في الديون وعدم الاعتماد عل حلول بديلة، كجذب الاستثمار الأجنبي المباشر والعمل على زيادة تحويلات المصريين بالخارج، إذ إن القرض الجديد ما هو إلا خطوة جديدة على طريق الاستدانة الذي اختارته الحكومة في السنوات الأخيرة لرأب صدع الاقتصاد المصري، والإنفاق على مشروعات يختلف الخبراء حول جدواها ومدى أولويتها.

ونهاية الأسبوع الماضي، توصلت حكومة الانقلاب لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض جديد بعد مفاوضات دامت أشهرا، وتبلغ قيمة الدين، المستهدف منه تمويل الموازنة المصرية، 9 مليارات دولار، يمنح منها صندوق النقد الدولي 3 مليارات دولار، ومليار دولار من الصندوق الاستئماني للصلابة والاستدامة، و5 مليارات دولار من شركاء التنمية.

 

قرض يدمر الاقتصاد

يرى الصحفي المتخصص بالشأن الاقتصادي، مصطفى عبد السلام، أن قرض الصندوق الدولي لمساعدة الاقتصاد المصري، سيدمر الاقتصادات الوطنية وتعميق سياسة الاعتماد على الغير مما يتسبب في إحداث اضطرابات سياسية واجتماعية داخل مصر.

ووفق وكالة "موديز" (Moody’s) للتصنيف الائتماني، فإن مصر واحدة من 5 دول مهددة بعدم القدرة على سداد أقساط ديونها الخارجية البالغة أكثر من 150 مليار دولار.

كما اعتبر عضو شعبة المستوردين باتحاد الغرف التجارية بالقاهرة أحمد شيحة أن الخاسرون من القرض الأخير هم المواطنون الذين يتحملون نتائج التلاعب وارتفاع الأسعار.

 

القرض الزائف

ويقول الاقتصادي المصري سيف عبدالفتاح إنه في ظل سياسة الانقلاب الكارثية تردت الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية المصرية إلى أدنى مستوياتها، حتى باتت مصر تنتظر قرض صندوق النقد الدولي باعتباره المنقذ الوحيد لها من الضياع والإفلاس، رغم وصول الدين الخارجي المصري إلى مستويات غير مسبوقة وشديدة الخطورة.

وأضاف عدم تحديد وتعيين ميزان الأولويات في مشاريع عشوائية والتي مُولت سابقا بتلك القروض الماضية والتي يستمر فيها نفس تلك المنظومة وبذات الطريقة؛ إنما يعبر عن القيام بمهمة خطيرة في تخريب اقتصاد مصر الممنهج والمنظم ومقدرات البلاد الأساسية التي يتم التفريط فيها والتنازل عنها من حدود وترسيمها، وغاز وإهداره، ومياه النيل والتفريط فيها. كل ذلك إنما يعبر عن منظومة عشوائية تحت دعوى الإنجاز الزائف والمزور الذي لا يمكن أن يصب في عافية البلاد أو في مستقبل التنمية.

 

قرض يهدد السيادة المصرية

وفيما يخص هيمنة أطراف خارجية على الإرادة المصرية يرى الخبير الاقتصادي  سيف عبدالفتاح أن القروض أخطر ما يهدد بمصر حينما نستدعي من الذاكرة التاريخية خبرة الخديوي إسماعيل في الاستدانة، والتي نتج عنها صندوق للدول المدينة شكل رقابة على مصر؛ ليس فقط على مواردها ومسيرتها الاقتصادية ولكن على مستقبلها السياسي والاجتماعي.

وتابع أن هذه خطورة مركبة ومتراكمة، ويعرف كل من يحرص على مستقبل هذا البلد وتماسكه وكيانه الأساسي أن الأمر يهدد الوطن بالخطر المقيم، والذي ربما لن يكون هناك أي إمكانيات لدفعه أو رده.

بينما يقول استشاري تمويل وتطوير المشروعات والأوقاف الاستثمارية "علاء السيد" إن حصول مصر على قرض جديد: "هذا معناه أشبه ما يكون بتأسيس صندوق لديون مصر تشرف عليه الدول والمؤسسات التي أقرضت مصر التي تعد ثاني أكبر دولة مقترضة في العالم من الصندوق".

ويوضح: "هذا معناه تحكم هذه الدول التي أقرضت مصر بطريقة مباشرة وغير مباشرة والسماح بتدخلها في السياسات والإجراءات الحكومية والمالية وفرض وصاية على إدارة المشهد، وهذا سيذهب بنا إلى حصول تلك الدول والمؤسسات على أصول بدلا من النقود إذا لم تستطع مصر سداد تلك القروض".

ولا تملك الحكومة المصرية أي رؤية واضحة لإصلاح هيكل الاقتصاد المصري وتحويله إلى اقتصاد إنتاجي.

ويضيف "السيد": "هذا يعني أن السياسات المالية لم تعد بيد الحكومة والإنفاق سيكون بحساب، وستكون الأولوية لسداد الديون وفوائدها، بمعنى أوضح أن الإيرادات بالكامل لن تكون تحت تصرف وزارة المالية، وهذا يشكل فقدا للسيادة ويصبح الشعب تحت رحمة الوصاة".

ويتابع: "هذا ما لم يكن يتوقعه أحد، لكن سوء الإدارة والتوسع في الاقتراض وعمل مشاريع لا عائد منها أوصلنا إلى هذه النتيجة الكارثية والمواطن هو المتضرر الأول وسينعكس كل هذا على الأوضاع الداخلية وفي كافة المجالات".

ويلفت إلى أن مصر وصلت إلى هذا الحال، بعدما علم صندوق النقد أن "سوء إدارة الأموال صارت آفة وسياسة خاطئة لدى النظام، واعتياده الحصول على قروض دون أن يكون هناك مراقبة أو محاسبة لتلك السياسات غير الرشيدة".

 

المصريون بالخارج البديل الأفضل لقرض الصندوق

في ظل نظام يقبع بمستنقع فساد، ولا يأبه بدراسات الجدوى ولا يعرف غير القوة، يتضح أن القروض لا تفيد، وإن وجدت فهي تدعم استمرار النظام القائم على إفقار المصريين وإهانتهم بوصفهم دائماً بـ"الفقراء أوي"، في مقابل زيادة الأغنياء من الجيش وأصحاب الأموال.

ويرى الخبير الاقتصادي ممدوح الوالي أنه إذا كانت قروض صندوق النقد الدولي منذ 2016 وحتى الآن قد بلغت 23.3 مليار دولار خلال 6 سنوات، فإن أقل رقم لتحويلات العمالة منذ عام 2017 كان 22 مليارا، بينما بلغت مخصصات وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج بالموازنة، العام المالي 2021/2022 نحو 53 مليون جنيه أي ما يعادل 3.4 ملايين دولار بسعر الصرف حينذاك.

ويضيف الوالي حسب بيانات البنك المركزي المصري، كانت قيمة تحويلات العمالة بالخارج بالعام الماضي 31.3 مليار دولار، تمثل نسبة 24% من إجمالي الموارد البالغة 139 مليارا، لتحتل التحويلات المركز الأول بين أنواع الموارد، أكبر من الصادرات السلعية غير البترولية، ومن ضعف صادرات البترول والغاز الطبيعي، وأكثر من 3 أضعاف الدخل السياحي، وحوالي 5 أضعاف دخل قناة السويس.

ونوه الوالي  إذا كانت الحكومة راغبة بتخفيف مشكلة نقص العملة المتكررة عبر عقود، وأول تلك المهام عمل قاعدة بيانات للمصريين بالخارج حسب الأعمال والمهارات ونحو ذلك، والعمل على تطوير مهاراتهم.

وأضاف أنه قبل ذلك، يجب مساندة العمالة المصرية والتي يعمل معظمها بدول الخليج، والتي تتسم عقودها بعدم الاستدامة لمدة طويلة، وعلاج مشكلة ارتفاع تكلفة التحويلات، وحسن معاملتهم عند تعاملهم مع الجهات الحكومية.

وتابع أنه بمزيد من الرعاية، يمكن زيادة تحويلات المصريين بالخارج بأكثر مما سيقدمه صندوق النقد الدولي، وهي (أي تحويلات المواطنين) موارد بلا شروط مسبقة ولا تتطلب خفض الدعم أو قيمة الجنيه، والمزيد من بيع الأصول وفرض الضرائب والرسوم كما يطلب الصندوق الدولي.