عزت النمر :
 
سيناء أو أرض الفيروز تمثل شرف مصر وأحد مفاتيح أمنها القومي قديما وحديثاً , هي البوابة الشرقية لمصر وحائط الصد الأول أمام عدو مصر التاريخي اسرائيل.  وستظل سيناء وما يحدث فيها أمراً بالغ الخطورة لا يتجاوزة أو يتساهل فيه مهتم بحاضر مصر أو مستقبلها أو أمنها القومي.
 
أحداث عديدة ودماء سالت خلال سنوات ما بعد الثورة شغلت الجميع خاصة وأن لكل منها ارتداداته على الداخل المصري . ما حدث مؤخراً باستهداف ما يُسمى "ولاية سيناء" لعدة كمائن للجيش والشرطة في وقت واحد يُعد عملية نوعية وتطور خطير. 
 
عوامل الخطورة وأجراس الإنذار في الهجوم الأخير ليست فقط من الاسلحة الثقيلة والنوعية التي استخدمها المهاجمون , ولا في سعة الهجوم على عدة كمائن في نفس الوقت , ملا حتى بسبب عدد قتلى الجيش المصري الذي تجاوز في معظم الروايات 80 قتيلاً ,  ولكن مكمن الخطورة ـــ مع كل ماسبق ـــ هو أن الهجوم صاحبه محاولة من التنظيم "المشبوه" لاعلان السيطرة الكاملة على مدينة الشيخ زويد وإعلانها تابعة لهم.
 
لا أدري ما اذا كان ما حدث يندرج تحت وصف الفجيعة أم الفضيحة ؟!.
 
أين الجيش المصري الذي يُوصف بأنه المؤسسة الصلبة الوحيدة التي حافظت على تماسكها حتى الآن كما يدعون ؟ لماذا لمْ يحدث مثل هذا خلال نظام حكم الدكتور مرسي الذي صوَّروه للناس ــ كذباً وبهتاناً ــ  بالرئيس الضعيف ؟ أين قائد الانقلاب وحامل ألقاب العسكرية ونياشينها عنترة زمانه المزعوم عبد الفتاح السيسي مما حدث ؟ أليس ما حدث مرَّغ أنف مصر وحاكمها وجيشها ومخابراتها وأهان سمعتها وأذل كبريائها؟!.
 
القراءة الجادة والعميقة تفرض سؤالاً يتوجب طرحه بهذه المناسبة : هل يمكن تعريف ما حدث وما وصلنا على أنه فشل كامل لزعيم الضرورة وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي ونظام حكمه وسياساته العرجاء ؟ أم أن الأمر أبعد من ذلك وأقسى؟!.
 
إن الرضا بتوصيف الفشل والإقتصار عليه إنما يكون مجافياً للواقع وبعيداً عن التقييم الموضوعي للحدث , ويعتبر تبسيط مخل لواقعة تحتاج الى قراءة أبعد ونظر أشمل للوصول الى ما يُراد بمصر ويُحاك لها , والسؤال الأهم الذي يتعين تناوله في هذا الظرف هو مدى شراكة عبد الفتاح السيسي في هذه الفضيحة المدوية بأكثر من الحديث عن مسئوليته عنها ؟ 
 
ثمة طوفان من أسئلة جادة وواجبة للدخول الى لب الموضوع وجوهره تحتاج أن نقسمها الى مجموعات لعلنا نخرج منه بالحقيقة والبيان:
 
أولاً .. من أين أتى التنظيم بكل هذا الأسلحة النوعية التي قال عنها أحد رموز الجيش المصري ان رجاله لم يروا مثلها الا في "الكتالوجات"؟! من المسئول عن تسليح أجناد مصر فتراها في سيناء حمائم وادعة بتسليح واهن بينما نرى أقرانهم في شوارع مصر وجامعاتها وحوش كاسرة وصقور مدججة؟!  ما الذي جعل التنظيم المذكور يظهر هكذا فجأة وتصبح له اليد الطولى في شمال سيناء رغم كونها منطقة مؤمنة حدودياً تأميناً عنيفاً خاصة حدود اسرائيل شديد التحصين والتسليح ؟ ألم يكن أجدى للتنظيم "الظاهرة" أن يتمدد في الصحراء الغربية حيث أطول حدود غير مؤمنة مع ليبيا وخلفها مباشرة معقل التنظيم ونقطة إمداده في درنة وما حولها ؟ وأخيراً ما الذي حافظ لسيناء الجنوب وشرم الشيخ وطابا وحدود اسرائيل الجنوبية على طهرها وعفتها وولائها للنظام؟؟!.
 
ثانياً .. توقيت العملية وصور التعاطي معها يفتح الباب لأسئلة أخرى تزيد من توضيح لازم للصورة والحدث ..
 
ما الذي نفهمه.. ونحن نرى أن اسرائيل غير منزعجة من أحداث سيناء ؟ ما الذي نفهمه.. حين تتم هذه العملية المشبوهة قبيل 30 يونيو وما للتاريخ من حساسية والمفترض أن تكون قوات الجيش في حالة استعداد قصوى؟ ما الذي نفهمه.. ونحن نرى أن النظام لم يتاجر هذه المرة بجثث ضحاياه , بل وأخرجهم بليل الى مدافنهم من الأبواب الخلفية لمطار امبابة بلا ضجيج يناسب الحدث ولا مرثيات ولا بكاء؟ ما الذي نفهمه.. حين نرى أن أزلام النظام استقبلوا الاحداث بالحديث عن وجوب تدخل دولي في سيناء ؟ ما الذي نفهمه.. حين يكون تصريح وزارة الخارجية أن أحداث سيناء هي حرب على العالم المتحضر بأسره ؟
 
لا أجد بداً في هذا السياق من اثبات شركة عبد الفتاح السيسي بشخصة ودائرته القريبة في هذه الجريمة , وهذا يستلزم استدعاء حقيقة مرة الطعم كريهة الرائحة , ألا وهي أن نظام عبد الفتاح السيسي يقايض كل الملفات الخطيرة والحساسة على الأمن القومي مع اسرائيل مقابل دورها في الانقلاب وما بعده حتى أوصلته الى حكم مصر, وامتناناً لها على دعمها اللا محدود له في محاولات تسول شرعية وجوده واستمراره.  لا أحد يزايد على هذه الحقيقة أو يتعامى عنها والواقع يشهد بذلك ويدمغ كل محاولات تحسين الصورة او تكذيب العين , والأدلة على ذلك كثيرة ومنها :
 
أليست اسرائيل هي التي تولت تسوية ملف مياه النيل الذي هو ملف وجود وحياة أو موت مع أثيوبيا والذي خرجت فيه مصر بخسارة شريان حياتها ؟ أليست أصابع اسرائيل ظاهرة في اتفاقات التنازل عن كنز الغاز في البحر الابيض المتوسط واعادة ترسيم الحدود المصرية واليونان شاهد ومستفيد؟ أليست اسرائيل هي المستفيد الأوحد من تهجير أهالي رفح وهدم منازلهم ومن قبل من هدم الانفاق والحصار الخانق لقطاع غزة ومن فيه ؟ أليست اسرائيل هي من تحرِّك الاعلام المصري وتعيد صياغة العقل الجمعي في مصر من خلاله في كارثة وفضيحة من العيار الثقيل ؟
 
اننا لابد وأن نقر بأن مصر تحت حكم عبد الفتاح السيسي قد تنازلت عن كبريائها وشرفها لاسرائيل, وأنه ونظامه العميل إنما ينظر الى سيناء بعينين اثنين اسرائيل "الصديقة الداعمة"  – حماس "ربيبة الإخوان الإرهابيين".
 
ومن هنا نعود الى السؤال مرة أخرى هل مازالت شفرة ولاية سيناء عصية على التفكيك والفهم ؟ أم يمكننا أن نقول بملئ الفم أن مصر تحت حكم السيسي لم يعد لها إلا الانبطاح والتلذذ باعتلاء اسرائيل لها وهتك عرضها بعدما فضت بكارتها في ملفات سابقة , وأن اسرائيل باتت تلعب في خاصرة مصر الشرقية بعدما ركبت سيسي الانقلاب وكسرت عينه بعقد فيه من الايجاب والقبول بأكثر ما فيه من الغصب والخداع .
 
خلاصة القول أن أحداث سيناء الأخيرة ما هي إلا مقدمة لخطة اسرائيلية كاملة بقبول مصري , ضربت به اسرائيل عدة عصافير بحجر واحد وترنو الى المزيد, وننتظر الانتقال الى بقية الخطة والتي تنضوي على مسارين متتاليين كما يلي: 
 
المسار الأول : مخطط قريب هو التمكين الكامل لتنظيم الدولة في شمال سيناء وتخوم قطاع غزة يكون مقدمة لتقوم ولاية سيناء بإجتياح قطاع غزة برياً وتتكفل اسرائيل وعميلها في مصر عبد الفتاح السيسي بالاسناد الجوي والبحري في مخطط طَموح لتصفية وجود حماس في القطاع , ولا ننس في هذه المؤامرة دور أشقاء السيسي وزملاء خيانته وعمالته محمود عباس في الضفة وصبيان محمد دحلان في غزة وداخل سيناء.
 
الحلقة الثانية في مخطط اسرائيل اللعين هو استدعاء الوجود الدولي لشبه جزيرة سيناء وتهجير أهلها , ولتصبح القوة الدولية هي المتحكم والمسيطر على قناة السويس المنفذ العالمي , لتصبح مصر المسكينة عارية تماما من أي شئ يستر عفتها , وتتحق أحلام اسرائيل حينئذ بإعادة تخطيط الإقليم على أجندة اسرائيلية دولية ليس فيها مصر التي ذهبت ولم تعد على يد سيسيها الحالي أو سيسي جديد.  
 
هذا ما يخططونه لمصر ويريدونه لحماس .. ولكن بُعداً لهم وما يحلمون.
 
ستظل حماس شوكة في حلوقهم وستخرج بنصر جديد ليخلف نصر قديم.
 
أما مصر فتغييرها وشيك , وستعود بأجيالها الناشئة وشبابها الأطهار ورجالها الصامدون الأحرار ونساؤها الذي يسطرون صفحات البطولة ويعلمون البشرية معاني الكرامة والاحترام.
 
سيعود هؤلاء لينسفوا أحلام اسرائيل ويضعوا حداً لخرافاتهم وأمانيهم , وليسوءوا وجوههم " وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا".
 
 
https://www.facebook.com/ezzat.elnemr.9