خميس النقيب

لم تكن رحلة عادية بل كانت نفحة بعد لفحة ورحمة بعد قسوة  ومنحة بعد زحمة        وتكريما بعد تمحيصا واصطفاء بعد ابتلاء ..!! فقد مر النبى صلى الله عليه وسلم بضوائق كثيرة وتعرض لعوائق وفيرة وهو في طريق الدعوة الكبيرة،  دعوة الاسلام العظيمة،  والدعاة السائرين علي دربه والمتمسكين بسنته والمحافظين علي دعوته كذلك يتعرضون لذات الابتلاء لينعموا بقسط من الاصطفاء ..!! انها سنة الله للمرسلين ومن بعدهم الصحابة والتابعين والصالحين من عباده المؤمنين الي يوم الدين ..!!  طريقة لن تتبدل وسنة لن تتحول  "  سنة الله في الذين خلوا من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا  "  الاحزاب
تنكر له الخلق فاستقبله الخالق  ، سدت في وجهة أبواب الأرض ففتحت له أبواب السماء  ، لم يسمعه الناس في الطائف فجمع الله له الانبياء والمرسلين في بيت المقدس فكان لهم قائدا وإماما ..!!
 لم يكن ذلك تسرية عنه فحسب وإنما كان تكريما لشخصه وتقويه لعزمه ،وإعلاء لشأنه واصطفاء لقلبه ..!!
 إنه - صلي الله عليه وسلم - يعلمنا أن الطريق إلي الله عز وجل محفوف بالمخاطر ،وأن الطريق إلي جنته كله أشواك ،حدث هذا مع الأنبياء والرسل والصالحين وسيحدث كذلك مع أصحاب الدعوات إلي يوم الدين ، والله تعالي يسوق الأحداث والشدائد ليميز الخبيث من الطيب ، والمؤمن من الكافر ،والجاحد من الشاكر ،والناسي من الذاكر﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَإِن تُؤْمِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ (آل عمران )
يعلمنا النبي الكريم ان المؤمن يخرج  من هذه الأحداث أصلب عودا ،وأقوي إيمانا ،وأثبت يقينا ، وأعظم مناعة تمكنه من الصمود في وجه العوادي والنكبات تمكنه من الثبات مع طول السفر ووعثاء الطريق وأن الإيمان دعوي تحتاج إلي دليل ،وهذه الشدائد والابتلاءات ،الفتن والأشواك ما هي إلا خير دليل ،﴿الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ﴾(العنكبوت )
انه طريق أهل التقوى والصلاح ،الصالحين في أنفسهم ،المصلحين لغيرهم ، والقابض علي دينه ،الملتزم بإسلامه ،لابد أن يطارد ،لابد أن يحاصر ،وهذه علامات الصدق ،وإشارات الفلاح ،وأسس النجاح ،إشارات القرب من الله عز وجل﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾ (العنكبوت2) .
ومن خصائص هذا الدين الحنيف أنه يقف في وجه الطغاة والمستبدين ،يقف للبغاة والظالمين ،المنكبين علي الدنيا ، الهائمين في ملذاتها وشهواتهاونزواتها  المفسدين فيها ليرشدهم ويعظهم وينذرهم ..!! وعندما لا يتفق هذا مع أهواءهم  يتعرض أصحابه لما يتعرضون له من صد وبلاء ،من ظلم وابتلاء  من قمع وايذاء ..!! والحال ابلغ من المقال ..!!
ان المفسدين من قريش جاءوا إلي عمه صلي الله عليه وسلم  يقلبون الحفائق ويكذبون الحقيقة :  ابن أخيك شتم أبائنا ،وسفه أحلامنا وعاب ألهتنا ،قل له يبقي في مسجده ،و يعمل في دينه ،ويظل مع قرآنه ،ولا نريد منه شئ غير ذلك ،فجاء به وقال له يا محمد دعك من هؤلاء فقد شتمت أبائهم ،وسفهت أحلامهم ،وعبت ألهتهم ،فرد النبي صلي الله عليه وسلم بقوله بيضت وجه التاريخ ،وأنارت ربوع الدنيا وأصبحت منهجا ودستورا لدعاة الأمس و اليوم والغد القابضين علي دينهم، الملتزمين بدعوتهم (والله يا عمي لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري علي أن أترك هذا الدين ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه) إنه طريق الدعوات ،ومنارة الدعاة ،لو جاءوا إليه بكل الدنيا ،الشمس والقمر ،السماء والأرض ،الحجر والشجر ،وغيرها وغيرها ،ما ترك هذا الدين ..!! وعلي هذا الدرب يسير الصالحون من الدعاة،  وعلي هذا المبدأ يحيا المخلصون من العلماء ..!! اما المتلونون المداهنون المنافقون فلهم طريق اخر .. " وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ "  الحج
أبتلي النبي صلي الله عليه وسلم بنقص في الانفس في عام الحزن حيث  وفاة زوجه وعمه اللذين كانا عونًا له على الرسالة، مدافعين عنه فى ظل إيذاء قريش له، ثم  ابتلي بضائقة الطائف في بدنه حتي ادملت قدماه ..!! عندما انتقل إلى الطائف يطلب من أهلها الإيمان برسالته، رفضوا وقاموا بإيذائه ورميه بالحجارة ومن شدة الألم اشتكى النبى لربه سبحانه وتعالى فسمع دعائه، ومن المحن تولد المنح ويأتي الفرج.
، فهو يعلم أن هداية الحكام أكثر أثرًا من هداية المحكومين، والبداية من المتبوع اولي اما اذا فسد الحاكم فقل علي المحكومين السلام ، ذهب إلى نخبة البلد وأهم ثلاث شخصيات فى الطائف، وهم أخوة، عبدياليل، ومسعود، وحبيب بنو عمرو، فلما جلس إليهم وكلمهم سخروا منه، وردوا عليه ردًا منكرًا، وأغروا به السفهاء، فاجتمع عليه الأهالى، وقد أمطروه ضربًا بالحجارة حتى دميت قدماه، وقذفوهما بالهجاء والشتم، وكان (زيد) يقيه بنفسه حتى أصيب فى رأسه، ومكثوا يطاردونه ويصيحون به فى الشوارع حتى ألجأوه إلى بستان، لعتبة وشيبة ابنى ربيعة على ثلاثة أميال من الطائف، فجلس إلى شجرة عنب وكأنما هى المرة الأولى التى يجلس فيها بعد سنين، فقد أعياه الضرب والركل ودماؤه الشريفة تنزف من وجهه الكريم، ومن قدمه الشريف، فضلاً عن ذلك الجرح النفسى فى قلبه الصديع المكلوم، والأسى الذى ينكأ جروح الماضى، فإذا بخير البرية صلوات الله وسلامه عليه يتوجه إلى ربه ضارعًا، خاضعًا، رافعًا يديه إلى السماء، مناجيًا ربه، معتذرًا إليه، متحببًا إليه، بكلمات كريمة، وبدعاء صادق نبع من أعماق قلبه الحزين، قد امتزجت كلماته بحرقه وجدانه المكسور (اللهم إليك أشكو ضعف قوتى، وقلة حيلتى، وهوانى على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربى، إلى من تكلنى؟ إلى بعيد يتجهمنى أم إلى عدو ملكته أمرى، إن لم يكن بك على غضب فلا أبالى، ولكن عافيتك هى أوسع لى، أعوذ بنور وجهك الذى أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن تنزل بى غضبك، أو يحل على سخطك لك العتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك لقد كانت إصابته النفسية كبيرة، إلى الدرجة التى نراه لأول مرة يشكو إلى الله قلة حيلته وضعف قوته وهوانه على الناس، فنزل عليه جبريل بأمر من المولى عز وجل وقال: يا محمد السلام يقرؤك السلام، وإن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، فقال صلى الله عليه وسلم بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبدالله وحده لا يشرك به شيئًا.
ومنذ أن وجد الخير والشر ، منذ أن وجد الهدي والضلال ، منذ أن وجد الحق والباطل ، والصراع علي أشده ، لكن النتيجة الحتمية لهذا الصراع هي أن الحق دائما في انتصار وازدهار ، وأن الباطل في انتحار وإندثار ، دولة الباطل ساعة ودولة الحق إلي قيام الساعة ، ﴿بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ (الأنبياء18)، ﴿وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾ (الصافات173:171) ، ﴿...كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ﴾ (الرعد17) ،( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) أخرجه
 بعد هذا الكم من الابتلاء في مكة  وبعد هذا الموقف الإيمانى العظيم من سيد الخلق نحو من آذوه كانت المكافأة من الله عز وجل هى دعوته لرحلة الإسراء والمعراج فالإسراء هى رحلة أرضية من مكة إلى بيت المقدس  ، وكأن الله تعالى يقول هذه منزلتك ثم بعد ذلك توجه إلى بيت المقدس، وبعد ذلك عرج به إلى السموات العلى، وفرض عليه الصلاة فى السماء خمسون صلاة ثم خفضت إلى خمس فى العمل وخمسون فى الآجر،  لتكون الرحلة تكريما لشخصه والصلاة معراجا وتعظيما لامته ..!! فمن زحمة الابتﻻء كانت رحلة الاسراء منحة واصطفاء،  رحمة واجتباء،  سجلت في القران في سورتين  مكيتين النجم توضح تفاصيل المعراج وسورة الاسراء  مطلعها  " سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الاقصى الذى باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير " الاسراء

  [email protected]