عزت النمر :

حوار مثير دار بيني وبين شاب لا أستطيع أن ألقبه بصغير , فالشاب وان كان في مقتبل العمر إلا أنه كبير..

حدثني عن هموم نفسه فإذا به يروي عن حلم جميل لجيل ..
أصر أن الحلم انقطع فقط لكنه لم ولن يضيع .. 
نقل لي أسباب الألم ليس لأن الحلم قد انقطع فهذا قد يحدث كثير ..
الألم يعتصره لأنه هو جيله لم يكن يتوقع أن يكون في بلده كل هذه الخيانات ..
لم يكن يتوقع أم يحوي جلباب مصر كل هذه العقارب والحيات ..
تسائل في براءة : هل كنتم تعلمون أو تتوقعون أن مخزون الكذب يصل في الكون الى هذا الحد فضلاً أن يظهر في وطن واحد , ويتأسف أن هذا الوطن هو مصر؟  هل كان أحد منكم يتوقع ان يحدث ما حدث ؟
هل نحن وجيلنا كنا سذج أم أن الحقائق الي رأيناها رأي عين كانت أكبر من توقعاتنا جميعاً جيلنا وجليكم ..نحن وأنتم على سواء ؟
أغمض الفتى عينيه وكأنه بسترجع شريط الذكريات .. ثم تنهد وقال
موسيقى رأفت الهجان وبساطة جمعة الشوان ملأت قلوب جيلنا فخراً بنجاحات المخابرات المصرية وتيهاً بوطنية رجالها , ثم ماذا بعد ؟ ..
إذ الأحداث تزلزل كياننا ونحن نرى المخابرات المصرية تتآمر على مشروع الوطن وحريته وكرامته , فترك لنا الدموع واستأثر الجهاز الوطني بالعيون الوقحة ..أليس كذلك ؟!
ذكريات مهيبة وعروض عسكرية وأحاديث وأشعار رفعتنا الى السماء السابعة حباً وغراماً في شرف العسكرية المصرية وعزة الزي العسكري وتضحياته من أجل الوطن والمواطن..
فإذا بنا نجد أنفسنا في أسفل سافلين ونحن نبصر طلائع الجيش وقيادته العسكرية تحرق الوطن بلا هوادة في مصر لا تفرق بين شوارع وميادين المحروسة وبين مواقع سيناء .
سائلني الفتى .. هل كنتم تعرفون أو كنتم تتوقعون أن جيش مصر العظيم يمكن أن يبيع عِرض مصر ويهين شرفها في علاقات قادته المشبوهة مع اسرائيل وأمريكا؟!
ثم استطرد قائلا : صورة فاضحة وقواد خسيس .. حاولت وحاول أبناء جيلي غض البصر عنها إلا أن صوت الوطن وعفته الذبيحة يصم الآذان .. هل تسمعوه ؟!
عشت وأبناء جيلي على ألقاب فخمة ونجاحات مدوية في كتب التاريخ وحكايات التربية القومية عن الدبلوماسية المصرية وقدراتها العالية وتاريخها البعيد وقوتها النافذة ..
ها نحن نبحث عن مصر القوة الناعمة في أثيوبيا وفي السودان أو في قبرص واليونان أو في اليمن أو حتى في أسوان كمن يبحث عن تائه في صحراء .. فهلا دللتني أو بحثت معي ؟!
يا عمو ــ هكذا قال الفتى ــ ويا كل كبير , يا أجيال سبقت : علمونا بخبرتكم , أجيبونا بتجاربكم .. بالله .. ماذا تعرفون عن القضاء ؟ ماذا تريدوننا أن نعرف عن القضاء ؟ .. أين هو الميزان ؟ .. أينت هي عميائه ؟ .. هل مازالت متلحفة برداءها أم زال عنها الغطاء ؟!.
قال متهدجاً : أسئلتي لم تنتهى ؟. قال هل تجيبونني ؟ هل أتعبتكم ؟ .. أم زاغت عنكم الأبصار ؟!
قلت يا فتى .. هل تراه ضاع الحلم ؟ .. قال صارخا لا  لا ..
قلت إذن هو ما تراه , فقط تأجل رفع الستار ..
قلت له هل انقطع الألم في تحقق المشروع الوطني , قال : بل تعثر .. وسيتحقق غداً أو بعد غد ..
قلت أتعرف ما حجم ما تحلم به .. قال نعم ؟ .. قلت فاصبر قليلاً ..
قال هل تعرف كم من الضحايا يسقطون يومياً ..
قلت وهل تضيع في ثورتنا تضحية .. قال بحماس .. لا
قلت هل تعرف كم الكارهين لنجاح مشروعكم .. قال بعصبية .. كثير ..
قلت هل سقطت كل الاقنعة .. قال كثير ولكنه مازال كل يوم تسقط أقنعة ..
قلت الموعد يوم تسقط جميعها .. قال متى ..
قلت غير بعيد .. قال متى .. شهور أم سنين ؟
قلت أقرب مما تتصور ..
وعند جيلكم الخبر اليقين ..