د. فتحى أبو الورد

لا يكاد يخلو كتاب من كتب السياسة الشرعية قديما أوحديثا من الحديث عن شروط رئيس الدولة المسلمة ، والخوض فى تفاصيلها   لأن منصب الرئاسة أعظم الولايات، وأكبر العقود في الدولة الإسلامية وهو كذلك أهمها وأخطرها أثرا في حياة الأمة، لأنه يتعلق بالإسلام حراسة وتطبيقًا ، وبالمحكومين رعاية وإصلاحًا .ولهذه الأهمية وتلك الخطورة التي تترتب على إتمام هذا العقد احتاط فقهاؤنا وأسهبوا في شروط من يتولى هذا المنصب سعيًا وراء تحقيق المهمة التي من أجلها ينعقد له العقد، وتتم له الولاية .

ومن أهم الشروط  بين فقهاء السياسة الشرعية (الإسلام والعدالة، والعلم والكفاية، وسلامة الحواس والأعضاء مما يؤثر في الرأي والعمل) .

أما كونه مسلما فلأن الغاية الأساسية من منصب الرئاسة  تنفيذ شريعة الإسلام بإقامة الفروض وتحقيق العدل وحفظ الحريات ،  فكيف يمكن تنفيذ هذه الشريعة، أو كيف ترعى مصلحة الإسلام وأهله إن لم يكن متولي هذا المنصب مسلمًا ؟

وليس في استبعاد غير المسلم من رئاسة الدولة الإسلامية انتقاص أو تضييق عليه، بل هذا هو المنطق والمعقول، وليس من الحرية في شىء أن يتولى القيام على تنفيذ دين الأغلبية واحد من غيرهم.والقرآن الكريم يقول: ﴿ لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ ﴾ آل عمران 28 .

ويقول أيضًا : ﴿ وَلَن يَجْعَلَ اللّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً  ﴾ النساء 141 ، والإمامة أعظم السبيل كما يقول ابن حزم ، فمن البديهي أن تودع هذه الأمانة بيد من يؤمن بهذا الدين وأن لا تسند لمن لايؤمن  به .

وأما شرط العدالة فلأنها شرط في كل منصب وولاية، ولأنها تشترط في قبول الشهادة والرواية، فكيف لا تشترط في منصب الرئاسة .

والعدالة هى ملاك الأمور وعليها تدور الدوائر، ولا ينهض بأمور الإمامة ( الرئاسة ) إلا العدل الذى تجرى أفعاله وأقواله وتدبيراته على مراضى الرب سبحاته، فإن من لاعدالة له لايؤمن على نفسه فضلا عن أن يؤمن على عباد الله ويوثق به فى تدبير دينهم ودنياهم كما يقول الإمام الشوكانى .  وهي تعني التحلي بالفرائض والفضائل، والتخلي عن المعاصي والرذائل، وعن كل ما يخل بالمروءة. كما تقتضي  أن لا يرتكب الحاكم أي ظلم سواء كان متعلقًا بالمال، أو الحرية أو العرض، أو أي حق من الحقوق، وسواء أكان ظلمًا بقول أو فعل .

أما من عرفوا بالسكر والعربدة والفساد وموالاة أعداء الأمة فلا تصح لهم رئاسة ، ويجب أن يحال بينهم وبين ارتقاء أرفع المناصب فى حياة الأمة ، وأجلها مكانة ، وأعظمها خطرا.