بقلم : محمد منصور


إن الايمان يمدنا بقوة هائلة لا تتزعزع، ويفجر فينا آمالاً تتأبى على الفناء و يفتح أمامنا آفاقا رحبة تمتد إلى آخر المدى، وعندئذ تهون الحياة، وكلٌ يهون من أجل هذا الدين.
ترى هذا في الإجابة عن سؤال : لماذا لم ينزل الله على هاجر و رضيعها ـ عليهما السلام ـ بعدما تركهما ابراهيم ـ عليه السلام ـ بواد غير ذي زرع ،المن والسلوى أو أن يطعمهما كما أطعم مريم عليها السلام ؟
لم وقد انعدمت الاسباب ـ أسباب الحياة ـ في هذا الوادي ؟ .. ولا رجاء الا من الله، ويشهد على هذا، ما  قالته : آالله أمرك بهذا ؟ قال نعم . قالت إذاً لن يضيعنا....نعم لن يضيعهما؛ لأنهما وديعة بين يدي الله، وأن الحكم حكمه والأمر أمره.
فأخذت هاجر ـ عليها السلام ـ في البحث مهما بدا أن الجهد ضائع؛ لأن منطق الإيمان أن الله من أراد هذا؛ فلا شك أن هناك مخرجا، إذ حاشا لله أن يضيع عبده سدى؛ فكان السعي بين الصفا والمروءة سبعة اشواط بلا حل و هو الحل في ذات الوقت؛ كيف ؟! .. ذلك لأنه الدليل على استفراع الطاقة والبحث والتفكير، ولا عجب أن كانت المكافأة بئر زمزم.
وفي نفس السورة ـ سورة ابراهيم ـ نجد  نفس العبرة في الحوار بين رسل الله و بين من عادوهم، حينما استضعفوا واستعلى أمر الكفر الذي توعدهم بالقتل أو الإخراج؛ فما كان قولهم إلا أن قالوا : ( وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) .... إذ ليست الأمور فوضى وإنما ( و لو شاء ربك ما فعلوه ).
و ما كان أمرهم إلا أن واجهوا بكل ما أوتوا من صبر و جهد و اتخاذ كافة وسائل الدعوة المتاحة لهم حتى فنيت الأسباب؛ فكان قوله تعالى ( فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي و خاف وعيد ).
إذاً هاتان حالتان أصبح فيها أهل الحق تحت ضغط الواقع ونفاد الأسباب أو ما يمكن أن يندرج تحت حالة قهر الرجال، و قد كان المخرج هو التوكل على الله الحق؛ الذي ينصر عباده المؤمنين ويعصمهم من الزلل.
و خلاصة القول أن الحراك الثوري قدر الله فينا، وإن قلّت او انعدمت أسباب القوة فإنه بالتوكل على الله و اتخاذ الأسباب ـ مهما قلت أو كثرت ـ ما يفجر لنا ينبوع النصر باستخدام معاول حسن الصلة بالله والعمل الجماعي والشورى والأخوة وقوة التنظيم وروح الفدائية وتضافر الجهود وتكاملها وتفجير الطاقات المكنونة وحسن الخلق بين الناس واتخاذ أسباب إنهاك الاستبداد بالسلمية المطورة المنضبطة.
 ففي هذا العوض كل العوض عن فارق ميزان القوة بيننا و بينهم، وعندها يفرح المؤمنون بنصر الله؛ إذ ليس من الجهد ما يُهدر، ولكن النجاح قد يتأخر، ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا.