د. محمود مسعود
أستاذ الفكر الإسلامي بكلية دار العلوم

لو كان هذا المواطن ممن ينظر إلى مصلحته هو دون النظر للفضائل والأخلاق والقيم الرفيعة والمبادئ السامية، فسيكون ندمه ليس على نهب السيسي لأموال الخليج. إنما سيعض يد الندم لكونه ليس له فيه نصيب. هذا حال جل من نعرفهم من مؤيدي الانقلاب، وهذا ما لا تخطئه عين عند النظر لعينة ممن يؤيد الانقلاب؛ فهم مجموعة من (اللصوص والمتسولين وكارهي الإسلام، ومعظمهم مرضى نفسيين، بل غارقون في المادة بكل أنواعها: شهوات حسية ومعنوية يزكيها الجهل بمن يريد لهم الخير من أبناء بلادهم وإخوانهم وجيرانهم.

 أما الإنسان المصري الذي يحمل هذا الجسر العظيم من الإنسانية وهو (الشرف والكرامة والعزة والنخوة) فلا بد أنه تمنى أن لو لم تذع هذه التسريبات ليس كرها في كشف الباطل وهتك ستر أهله، بل لكونه يفضح جانبا مستورا عنده وهو أنه يعيش حياة كريمة مع قلة ذات اليد. فانظر إلى العامل المصري الذي يعمل في الخليج مثلا، وراتبه لا يتجاوز ألفي جنيها مصريا، وإذا طلب منه الوطن ما توفر إليه من قليل مال ما بخل به، ولو سمع عن حاجة إخوانه في فلسطين أو غيرها يدفع خمس ما يملك أو يزيد، وربما يراعي أرملة ومسكين ويتيم وربما يعول أما وأبا شيخين كبيرين، فهذا النموذج نراه كثيرا في بلادنا وعندما تلقاه تجده جوادا كريما، وإنسانا نبيلا، فهذا التسريب قد كسر حصن شرفه، وجرحه جرحا غائرا فهو يعلم أنه فقير، لكنه لا يعلم أن دولته التي يتسمى باسمها ويحمل شرفها "دولة تسول"، فكان يرى أن صراعه السياسي مع مواطنه في الغربة يقف عند مواطنه، لكنه لا يقبل بحال أن يقال: أن دولته تعيش على التسول والنهب! فلقد تألم كثيرا هذا الشريف العفيف بسبب فضح الخسيس وعصابته، فتضألت قيمة وطنه عنده وعند الناس وهو الذي ليس له من الدنيا شرف إلا الانتساب إلى الله، ثم  إلى وطن يحمل اسمه.

 كما أن هذا التسريب كان له جانب آخر من الصعوبة على هذا المصري؛ وهو أنه ليس فقط الخسيس وعصابته عبارة عن مجموعة قتلة وعديمي الشرف، بل إن نسبة كبيرة من أبناء وطنه أظهرهم هذا التسريب على شاكلة الانقلابيين، حيث كان من خيال المواطن المصري الشريف –خاصة من يعيش منهم في الغربة- أن عددا كبيرا ممن أيد الانقلاب ليس خسيسا وليس دنيئا إنما كانت له وجهة نظر تختلف معه سياسيا، فقد لا يقبل بعضهم حكم الإسلام لكونهم نصاري يجهلون فائدته لهم، وبعضهم لا يقبل الاسلاميين جميعا لتشدد بعضهم، وبعضهم لا يريد الإخوان لأنه منتمى لمنهج إسلامي آخر يراه أفضل، فلما قُتل الناس في رابعة والنهضة ولم يحرك شيئا من إنسانية أتباع الانقلاب، ظن المواطن الشريف إن مصدات الإعلام حجبت الرؤية عنهم، خاصة على من لم يمت له قريب أو نسيب، لذا كان المواطن الشريف يحدوه الأمل بأن يكتشف مواطنه المصري المؤيد للانقلاب ما عمَاه عليه المنقلبون، لكنه بهذه التسريبات لم يعد لديه فيهم رجاء. فكان التسريب شديد الألم عليه أكثر من فرحه بفضح الانقلابيين.

وإن كان من فوائد يجدها المواطن الشريف من هذا التسريب فهي أن من بني وطنه من لم يرضهم نهب الانقلابين ولم يسكتوا عن فساد المفسدين فتربصوا بهم وكشفوا زيفهم رغم جبروت الانقلابين ورغم تغولهم في مؤسساتهم، لعل الله يجعل هذا التسريب سببا في هلاكهم وكشف الغمة عن وطنه الجريح. فحمد الله أن ليس كل من يعمل في المؤسسة العسكرية لصوص وقاطعو طريق. ومنها أيضا أن أهلنا في الوطن العربي الكبير لعلهم يدركون أن معاونتهم لإخوانهم في مصر وفي غيرها يجب أن تذهب إلى يد أمينة وشريفة وأن معظم الشرفاء ليس لهم دخل بما يقوم به اللصوص باسم الوطن وأن الوطن سفينة كبيرة يحملها الشرفاء لكن قائدها اليوم من اللصوص، فلا يجب أن يعينوا اللصوص ضد الشرفاء.

ولعل من فوائده أيضا ما شنفت أسماعه بتعليقات إخوانه من أهل الخليج بأنهم يعلمون من المفسد من المصلح، وأنهم ما قصدوا بالمساعدات إلا إعانة وطنهم الثاني مصر وأن بعضهم أساء التقدير ولم نجد تعليقا واحدا يتهم الشرفاء إنما كانت جميع التعليقات إما تبكيتا على من دفع بلا تثبت وروية وإما من نهب وسرق وفجر. فلم يجد مثلا من  يقول إن المصريين متسولون، عديمو الشرف، شحاذون أو من يقول : إن المصري حقير، دنئ، كذاب، عاهر. إنما كلها أوصاف نعتوا بها الانقلاب والانقلابيين.