03/08/2009

*د. محمد البلتاجي

  أقصد قضية الإخوان الأخيرة, والتي عُرِفت بقضية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين, والتي اعتقل لأجلها ووجهت اتهامات لأكثر من ثلاثين من قيادات الإخوان المسلمين على رأسهم د. عبد المنعم أبوالفتوح (أمين عام اتحاد الأطباء العرب, والشخصية المصرية محل الإجماع الوطني) وحار الكثيرون ما السبب وراء هذا التصعيد الذي لم يحدث على هذه الدرجة منذ اعتقال م. خيرت الشاطر وإخوانه الـ39 في ديسمبر 2006م؟.

 

وفي تقديري أن السبب الرئيس وراء هذه القضية هو تصفية الحسابات ومحاولة التعويق وتهديد العاملين في مجال (العمل الإخواني لدعم ونصرة القضية الفلسطينية في الساحة الدولية), وهو النشاط الذي ظهر أثره جليًّا أثناء العدوان على غزة؛ حيث استطاعت هذه الجهود أن تحشد الرأي العام العالمي في مختلف دول العالم للوقوف في وجه المشروع الصهيوني، وتحديه وفضحه وكشف مَن يدعمه ويؤازره ويتعاون معه.. ظهر هذا جليًّا في حِراك الجماهير (ليست الآلاف بل الملايين) في مختلف العواصم والمدن العربية والإسلامية (بل والأوروبية والأمريكية والآسيوية)، ليس فقط تعاطفًا واضحًا إلى جانب الشعب الفلسطيني ورفضًا للعدوان عليه ولحصاره، بل ووقوفًا إلى جانب مشروعية المقاومة وفصائل المقاومين، وهو تعاطف غير مسبوق كان من ورائه جهود مخلصة استطاعت توظيف الحدث وتسليط الأضواء على الحقائق والصور, فأثَّرت إيجابيًّا على الرأي العام الإنساني العالمي الذي كان في السابق يترك نهبًا لتضليل ماكينة الإعلام الصهيونية فينساق وراء أكاذيبها وتفسيرها للأحداث.

 

وبدا من ذلك الحين جليًّا أنه قد صارَ في العالم تياران- بل تنظيمان- أحدهما يقف إلى جانب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني بما في ذلك حق المقاومة والكفاح المسلح والآخر يقف إلى جانب الكيان الصهيوني وتشديد الحصار على غزة وإنهاكها وصولاً إلى تصفية المقاومة وكتابة الفصل الأخير في كتاب القضية الفلسطينية, وظهر جليًّا من المواقف العملية (سواء من الحرب أو الحصار) أن كثيرًا من الأنظمة العربية قد غيَّرت بوصلتها من المعسكر الأول إلى الثاني، بل واشتبكت مع أنصار المعسكر الأول (تمهيدًا لتصفية القضية وإتمامًا لصفقة التطبيع الصهيوني الكامل والمجاني مع الدول الإسلامية مجتمعة).

 

أقول إن الاشتباكَ الحالي مع تيار دعم الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني في مصر بدأ باعتقالات متتالية ومستمرة للإخوان المسلمين طوال 2008- 2009م طالت قرابة الثلاث آلاف من الإخوان في أفواج وأمواج متتالية ابتداءً من يناير 2008م حين تحركت مظاهرات الإخوان ضد الحصار الظالم لأهل غزة ومرورًا بقضية عُرفت بخلية دعم غزة (د. عبد الحي الفرماوي- د. محمد عماد- د. محمد وهدان)، وثانية عُرِفت بقضية إغاثة غزة (د. جمال عبد السلام)، وثالثة ورابعة ضد ناشطي حملات فك الحصار عن غزة- الأولى والثانية-.

 

ثم جاء العدوان الصهيوني في 27 ديسمبر 2009م- والذي أراد تحطيم إرادة وصمود أهل غزة بعد فشل الحصار في تحقيق ذلك- فخرجت مظاهرات دعم المقاومة يقودها الإخوان في كل محافظات مصر فجاءت سلاسل جديدة من الاعتقالات طالت مئات وراء مئات من الإخوان (الأستاذ سيد نزيلي وإخوانه)، وطالت كل أعضاء الأمانة العامة للجنة فلسطين (د. عبد الفتاح رزق وإخوانه)، ولما انتهى العدوان المباشر على غزة، وهدأت ثورة الجماهير جاءت مرحلة تصفية الحسابات مع الذين كانوا وراء هذا الحراك الداخلي فتمت اعتقالات طالت قيادات ومسئولي الإخوان في مختلف محافظات مصر( د. مصطفى الغنيمي وإخوانه)، وبقي البعض منهم وراء القضبان حتى الإعلان عن قضية التنظيم الدولي فضموا إليها رغم أنهم كانوا في الأصل محبوسين على ذمة قضية (مظاهرات دعم غزة)، فلما أخلت النيابة سبيلهم منها اعتقلوا وضموا للقضية الجديدة (م. خالد البلتاجي وإخوانه).

 

لقد جاءت قضية التنظيم الدولي امتدادًا وتوسيعًا- لمرحلة تصفية حسابات الحراك الشعبي لنصرة غزة- لمعاقبة هؤلاء الأشخاص والمؤسسات (العاملين في الساحة الدولية للنصرة) والضغط عليهم وتعويق جهودهم مستقبلاً؛ كي لا يتكرر الحراك الإنساني العالمي ضد الصهاينة والأنظمة المتعاونة معهم، ونظرًا لأن العديدَ من الأنظمة العربية شاركت طويلاً في حصار الشعب الفلسطيني, ثم صمتت أثناء العدوان عليه (أملاً في أن تكون الحملة العسكرية الصهيونية حملة تأديبية لفصائل المقاومة, تنتهي بها لرفع الرايات البيضاء تمهيدًا لإجبارها على كتابة الفصل الأخير في نهج المقاومة، ومن ثَمَّ جرها إلى قافلة التلهية العبثية المسماة بالتسوية السلمية), هذه الأنظمة لم تسترح لصمود المقاومة أمام هذا العدوان البربري, ولا لهذا الحراك الشعبي العالمي الجارف الذي وقف مؤيدًا للمقاومة والمقاومين من جانب, وفضَحَ مواقف الأنظمة العربية ووصَفَ مواقعها بأنها أقرب إلى خندق العدو ومصالحه من خندق الأمة ومصالحها من جانب آخر.

 

ولم تجد هذه الأنظمة- وقتذاك- بدًا من تجرعها مرارة الصمت أمام طوفان تعاطف الشعوب التي لم تفلح الآلة الإعلامية في صرفها عن فعالياتها (مظاهرات- مؤتمرات- مسيرات مليونية- اعتصامات- وقوافل إغاثة لغزة من كل أرجاء الأرض برًّا وبحرًّا- حملات شعبية لفك الحصار)، فلما هدأ هذا الحراك الهادر- لأسباب عديدة- بعد توقف الحرب العسكرية المباشرة بدأت رسالة التصدي وتقليم أظافر- ليس فقط الأشخاص، بل والمؤسسات- التي كانت من وراء هذا الحشد الإنساني العالمي, وهي الرسالة التي بقدر ما تمثل من تصفية حسابات المرحلة السابقة فهي تُهيئ الساحة الدولية، والمناخ العام للدخول في مرحلة التسوية الجماعية المرتقبة لـ57 دولة إسلامية مع الكيان الصهيوني بلا مقابل, ومن ثَمَّ جاءت قضية التنظيم الدولي وزُج فيها بأسماء لشخصيات ولمؤسسات عجبنا أن تكون محلاً لتحريات المباحث المصرية ولتحقيقات النيابة المصرية (مؤسسات عربية وأوروبية!!).

 

وقد يبدو السؤال (هل صارت مهمة ضرب وتفكيك التنظيم الدولي لنصرة فلسطين مهمة مصرية؟؟؟ وهل يقوم بها النظام المصري بالأصالة عن نفسه أم بالوكالة عن غيره؟؟؟ وما مصلحته في كلتا الحالتين؟؟؟) سؤال يصعب طرحه لكن الإجابة عليه واضحة لكل ذي عينين من خلال مراجعة المواقف الرسمية المصرية التي فرضت وشددت الحصار على غزة من خلال الإغلاق التام لمعبر رفح- حتى بالمخالفة للقانون الإنساني الدولي، والذي يفرض مساعدة المحاصرين- ثم هدمت أنفاق الإغاثة على مَن فيها استجابةً للمطالب والتفتيشات الأمريكية ومنعت قوافل الإغاثة المصرية والعربية والأوروبية من الدخول لغزة بل وتركت آلاف الأطنان من المساعدات الإنسانية في إستاد العريش حتى تلفت وفسدت وتعرضت للنهب المنظم, هذا فضلاً عن الموقف الرسمي من الحرب الصهيونية على غزة (والذي اتهم المقاومة أنها السبب في وقوع العدوان وسمح لوزيرة خارجية الكيان الصهيوني أن تعلن الحرب من القاهرة وقمع المظاهرات في القاهرة ضد العدوان وحبس المتظاهرين) ثم هو من خلال قضية التنظيم الدولي هذه يؤدب الذين مدوا يد العون والمساعدة لإخوانهم في غزة.

 

ويكفيك أن تراجع أسماء وأدوار المتهمين في القضية لتعرف الحقيقة بجلاء (د. عبد المنعم أبو الفتوح أمين عام اتحاد الأطباء العرب, د. جمال عبد السلام مدير لجنة الإغاثة والطوارئ باتحاد الأطباء العرب, د. أشرف عبد الغفار مقرر لجنة الإغاثة الإنسانية بنقابة أطباء مصر, وهذا الاتحاد وهذه النقابة وهذه اللجان وهذه الأسماء بشخوصها يعلم القاصي والداني دورها في محاولة كسر طوق الحصار عن الشعب الفلسطيني في غزة قبل وأثناء وبعد الحرب الصهيونية عليها, كما أن د. جمال عبد السلام سبق اعتقاله في 15 ديسمبر 2008م لمدة أربعة أشهر بعد النجاح المذهل للحملة التي أطلقها لكسر الحصار تحت عنوان (غزة أولى بالأضحية).

 

أما د. محمد وهدان فقد سبق اعتقاله في 5/2/2008م لمدة ستة أشهر مباشرةً عقب مشاركته في وفد أساتذة الجامعات الذي دخل غزة في يناير 2008م ثم عاد ليعرض تجربته- في دعم غزة وإغاثتها رغم الحصار المشدد عليها- أمام مؤتمر أعضاء هيئة التدريس بالقاهرة والمحامين بالإسماعيلية فتم اعتقاله مباشرةً ووجهت إليه تهمة السفر إلى غزة وتقديم أموال للفلسطينيين هناك, فضلاً عن أن د. محمد وهدان- كما هو معلوم للكافة هو نائب رئيس المكتب الإداري لإخوان الإسماعيلية وهي المحافظة- بطبيعة موقعها الجغرافي وتبعية شمال سيناء لها- الموكول للإخوان فيها مهام المساعدة المباشرة لقوافل الإغاثة, أما الأستاذ رضا فهمي فمعلوم لكل المهتمين بالقضية الفلسطينية أنه منسق لجنة فلسطين في الإخوان المسلمين.

 

فإذا انتقلنا للخارج فوجئنا بتضمين القضية اتهامات لأشخاص مثل الداعية وجدي غنيم (صاحب الفتوى الشهيرة أثناء العدوان على غزة بأنه ليس مؤمنًا ولا مسلمًا مَن أسلم أخاه للموت والجوع من خلال المشاركة في الحصار)، والأستاذ حمود الرومي الكويتي (رئيس مجلس إدارة جمعية الإصلاح الاجتماعي بالكويت، وهي الجمعية التي قامت بجهود مشكورة للقضية كان آخرها تنظيم المؤتمر الشعبي العالمي لنصرة فلسطين، والذي انعقد في إسطنبول في مايو 2009 بحضور المئات من المؤسسات العالمية العاملة في مجالات (الإغاثة- قوافل وسفن فك الحصار-الإعمار- الملاحقة القانونية لمجرمي الحرب الصهاينة- إعلام القضية الفلسطينية- المقاطعة الاقتصادية- فلسطين في عيون الغرب...) وكان مؤتمرًا تنسيقيًّا استهدف توحيد الجهود وتوظيفها والتكامل بينها, وكذا ضمت القضية الأستاذ شكيب بن مخلوف (رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا, وهو الاتحاد الذي استطاح تحريك- ليس فقط المنظمات التابعة له ولا الجاليات الإسلامية التي يمثلها- بل الشارع الأوروبي في العديد من العواصم الأوروبية ونجح في حشد الرأي العام لدعم الحقوق الفلسطينية فكانت المظاهرات ضد الصهاينة وكانت قوفل الإغاثة الأوروبية وكانت سفن فك الحصار الأوروبية وكانت الدعاوى القضائية لملاحقة مجرمي الحرب أمام المحاكم الأوروبية, والعجيب أن شكيب هذا بلجيكي الجنسية من أصل مغربي لكن تحريات مباحث أمن الدولة المصرية ضمنته في القضية).

 

وهكذا نجد أنفسنا أمام قضية تنظيم دولي طبيعي لنصرة فلسطين تقوم أجهزة مصرية باستهدافه وتعقب أشخاصه وتفكيك منظومته وتشويه جهوده, لا أدري على وجه القطع لصالح من!!!, لكني أدرك أن التقارب الرسمي المصري- الصهيوني في الفترة الأخيرة لا يحتاج للتدليل عليه, وهو غير منفصل عن التقارب الرسمي المصري- الأمريكي المنشود, والذي لا ينفصل بطبيعة الحال عن ملف مستقبل الحكم في مصر.

 

 الصورة غير متاحة

 د. محمد البلتاجي مع جورج جالاوي والمستشار محمود الخضيري

أخيرًا أقر وأعترف بكل الفخر- ولله الحمد والمنة- أني كنت- وسأظل ما حييت- عضوًا في التنظيم الدولي الطبيعي لنصرة فلسطين, (وقد شاركت في تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار- القاهرة أكتوبر 2008-, كما أني عضو مؤسس للحملة الدولية لفك الحصار- بيروت مارس 2009, وقد شاركت في اللجان التحضيرية لمؤتمر حق العودة- دمشق نوفمبر2008- والمؤتمر الشعبي العالمي لنصرة فلسطين- إسطنبول مايو2009- ومؤتمر دعم المقاومة بيروت يوليو 2009, ومؤتمر القدس الدولي إسطنبول 2007 وكذا عضو في اللجنة الدولية لتوثيق وملاحقة مرتكبي جرائم الحرب تلك التي تشكلت في بيروت عقب حرب غزة يناير 2009م).

 

ولبيت وسألبي كل دعوة للمشاركة في أية فعالية لنصرة حقوق الشعب الفلسطيني مهما كان الثمن، وهذا جهد المقل, وأدعو كل حر لتحصيل هذا الشرف, وبالمناسبة سبقني لشرف السعي الدولي لنصرة فلسطين كثيرون من مثل (النائب البريطاني جورج جالاوي, ودولة رئيس وزراء لبنان الأسبق سليم الحص, وفخامة المشير سوار الذهب, والمصريون الشرفاء المستشار محمود الخضيري والسفير عبد الله الأشعل...) وآخرون من المصريين الشرفاء بل ومختلف دول العالم, أرجو ألا أكون أنا وهم موضع الاتهامات المصرية في القضية القادمة التي قد تحمل اسم التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، أو اسم آخر

 

ــــــــــــــــــــــــــ

 

*الأمين العام المساعد للكتلة البرلمانية للإخوان المسلمين