21/03/2009

رغم حرص حكومة قطاع غزة المبالغ فيه على عدم توجيه أي انتقاد للمواقف المصرية الرسمية إلا أنها لم تجد بداً من الحديث عن "إذلال المواطنين" الفلسطينيين على معبر رفح.

قبل أيام قيل إن المعبر سيفتح ليومين من أجل مرور الحالات الإنسانية، لا سيما المرضى، وكان الأصل أن يمر 600 منهم في اليوم الأول، فكان أن مرّ 50 فقط، الأمر الذي دفع الحكومة إلى وقف العبور كنوع من الاحتجاج على سوء المعاملة.

قبلها كان وفد الأمانة العامة والمجلس الأعلى لاتحاد الأطباء العرب يمنع من دخول القطاع عبر المعبر المذكور، بعد أيام على منع عبور وفد برلماني أردني رغم الاتصالات والوساطات. وفي ذات الوقت كانت السلطات المصرية تصادر مبلغاً من المال كان بحوزة أحد رموز حماس، ولا يعرف ما إذا كان سيلقى ذات المصير الذي لقيه مبلغ سابق وضعت السلطات الأمريكية يدها عليه كجزء من تعويض مواطنين أمريكيين "من ضحايا إرهاب حماس"، أم سيوضع في مكان آخر غير البنك الأهلي المصري؟.

ثمة في هذا السياق حكايات كثيرة مؤلمة يروي بعضها عاملون في ميدان الإغاثة، مع العلم أن بعض التسامح لا زال يتم مع الوفود الأجنبية، ربما لاعتبارات تجنب الضجة الإعلامية، وربما لأن الطرف الإسرائيلي يبدي تسامحاً أكبر مع عبور تلك الوفود لذات السبب. ولن نتحدث هنا عن قصة إعادة الإعمار المعطّلة بالكامل، ليس بسبب الأموال، وإنما بسبب منع دخول المواد اللازمة لذلك وعلى رأسها الإسمنت والحديد والزجاج، وبالطبع تحت ذريعة أن المعبر مخصص للأفراد وليس للبضائع، وقد رأينا كيف فرض على قافلة النائب البريطاني جورج غالاوي إدخال ما تحمله من بضائع عن طريق المعبر الإسرائيلي، والاكتفاء بدخول الأفراد وبعض الأدوية عن طريق معبر رفح.

يحدث ذلك بينما تستضيف القاهرة حوارات المصالحة بين حركة فتح أو السلطة وبين حركة حماس، وهي الحوارات التي يقال إنها تتم برعاية طرف يقف على مسافة واحدة من جميع المتحاورين، وحين يفتتح الحوار بكلمة تقول إن على الفصائل الابتعاد في قراراتها عن "التوازنات الإقليمية"، في إشارة مباشرة لحماس بسبب علاقتها بإيران، فلا يمكن أن يكون الموقف متوازناً، لا سيما أن أحداً لا ينصح الطرف الآخر بالابتعاد عن التوازنات الدولية: والأمريكية منها على وجه التحديد، مع العلم أن أي عاقل لا يمكن أن يرى أن المواقف الأمريكية من قضية فلسطين تتقدم على المواقف الإيرانية، مع قناعتنا بأن مواقف حماس لا ترتهن لأي طرف، لكنها لعبة الضغوط على أية حال.

ولكن لماذا تتواصل هذه المأساة على معبر رفح، ولماذا تشمل حتى الحالات الإنسانية، فضلاً عن التشدد المفرط منذ معركة غزة في مطاردة التهريب، وبالطبع أكثر بكثير مما كان عليه الحال قبل المعركة؟،.

الأكيد أن ذلك جزء لا يتجزأ من الضغط على حركة حماس لكي تقبل بشروط الحوار، والإسرائيلية فيما خص الجندي الأسير شاليط، وبالطبع لأن ثمة توافقاً بين الأطراف المختلفة على ضرورة الحيلولة دون جني حماس ثمار صمودها العسكري في المعركة الأخيرة، وعلى أن تمضي اللعبة التقليدية في اتجاه إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انتخابات مطلع 2006، وصولاً إلى استعادة مسار التفاوض، بصرف النظر عن وجود نتنياهو في رئاسة الوزراء وليبرمان أو سواه في وزارة الخارجية