في تصعيد جديد يعكس إصرار حكومة اليمين الإسرائيلي على فرض سياساتها العدوانية، شهدت الأراضي الفلسطينية يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 سلسلة من الاعتداءات المتزامنة، شملت اقتحامًا جديدًا للمسجد الأقصى بقيادة الوزير المتطرف إيتمار بن غفير، ومداهمات ليلية طالت منازل الأسرى المحررين، إضافة إلى مجزرة جديدة شمال قطاع غزة راح ضحيتها ستة فلسطينيين برصاص الاحتلال، في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مؤخرًا في قمة شرم الشيخ.

 

اقتحام بن غفير للأقصى.. استفزاز متكرر ورسالة سياسية

في خطوة متعمدة تهدف إلى ترسيخ الوجود الإسرائيلي داخل المسجد الأقصى، اقتحم وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير صباح الثلاثاء باحات المسجد، برفقة عشرات المستوطنين المتطرفين، تحت حماية مشددة من شرطة الاحتلال.

الاقتحام، الذي يعد الثاني خلال أسبوع واحد، جاء في آخر أيام عيد العرش اليهودي، في محاولة واضحة لاستغلال المناسبات الدينية لفرض واقع جديد في الحرم القدسي.

دخل بن غفير من باب المغاربة، وقاد مجموعات المستوطنين في جولات استفزازية داخل المسجد، حيث أدوا طقوسًا تلمودية علنية في الجهة الشرقية، في انتهاك صارخ للوضع التاريخي والقانوني القائم.

ترافقت هذه الخطوة مع إجراءات قمعية مشددة على أبواب المسجد، حيث منعت قوات الاحتلال مئات المصلين الفلسطينيين من الدخول، وأقامت حواجز عسكرية في محيط البلدة القديمة.

وأثارت هذه الانتهاكات موجة إدانات عربية ودولية، أبرزها من وزارة الخارجية الأردنية التي وصفت الاقتحام بأنه “تصعيد خطير واستفزاز غير مقبول يمسّ حرمة المقدسات الإسلامية”. كما دعت منظمة التعاون الإسلامي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل “لوقف محاولات تهويد الأقصى وتحويل الصراع إلى حرب دينية مفتوحة”.

 

الضفة الغربية: انتقام من الأسرى المحررين

بالتوازي مع التصعيد في القدس، شنّت قوات الاحتلال فجر الثلاثاء حملة مداهمات واعتقالات واسعة في مدن وبلدات الضفة الغربية، استهدفت بشكل خاص منازل الأسرى الذين أفرج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى الأخيرة التي رعتها قطر ومصر.

شملت المداهمات مدن رام الله، قلقيلية، طوباس، طولكرم، وعددًا من القرى المحيطة، حيث داهمت القوات منازل الأسرى المحررين مثل عصام الفروخ وسلام زغل، وعبثت بمحتوياتها، واعتدت على ذويهم بالضرب والتحقيق الميداني.

وأكدت مصادر محلية أن جنود الاحتلال هددوا عائلات الأسرى بعدم إقامة أي احتفالات أو استقبال جماهيري لهم، في محاولة لحرمانهم من فرحة الحرية، وتحويل الانتصار الرمزي الذي حققته المقاومة في صفقة التبادل إلى مشهد من القمع والإذلال.

وفي بلدة عنبتا شرق طولكرم، اندلعت مواجهات عنيفة أثناء المداهمات، أسفرت عن إصابة شاب فلسطيني بالرصاص الحي، بينما شهد مخيم الدهيشة ببيت لحم إصابة شاب آخر في الحوض بعد اقتحام مماثل.

وتقول مؤسسات حقوقية فلسطينية إن هذه الممارسات تأتي ضمن سياسة انتقامية ممنهجة تستهدف الأسرى المحررين، إذ يتعرض كثير منهم للملاحقة والمنع من السفر أو الاعتقال الإداري بعد الإفراج عنهم.

 

غزة.. خرق دموي لاتفاق وقف النار

في قطاع غزة، لم تمضِ أيام على إعلان وقف إطلاق النار حتى عادت قوات الاحتلال لتمارس سياسة القتل الميداني، حيث أطلقت النار بشكل مباشر على مجموعة من الشبان قرب السياج الفاصل شمال القطاع، ما أدى إلى استشهاد ستة فلسطينيين على الفور.

وأفادت مصادر طبية أن الضحايا لم يشكلوا أي خطر على قوات الاحتلال، وأن إطلاق النار تم “بدم بارد” في منطقة لا تشهد أي نشاط مسلح.

وفي حادث منفصل، استشهد مواطن آخر في خان يونس بعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار عليه أثناء تفقده لمنزله المدمر.

هذا التصعيد الدامي يأتي ليؤكد هشاشة التفاهمات التي خرجت من قمة شرم الشيخ، ويطرح تساؤلات حول جدية إسرائيل في الالتزام بأي اتفاقات سياسية أو إنسانية. فبينما تتحدث حكومة نتنياهو عن “التهدئة”، يواصل وزراؤها المتطرفون تأجيج الصراع وتوسيع دائرة النار.

 

وأخيرًا فان الاحتلال يختبر صبر العالم

تكشف الاعتداءات المتزامنة في القدس والضفة وغزة عن منهج إسرائيلي متكامل يقوم على التصعيد المتدرج والاختبار المستمر لردود الفعل الدولية.

ففي الوقت الذي تسعى فيه الأطراف الدولية لترميم الهدوء بعد حرب غزة الأخيرة، يرسل بن غفير وجيش الاحتلال رسالة واضحة مفادها أن إسرائيل لا تنوي التراجع عن مشروعها في السيطرة الكاملة على الأرض والمقدسات.

وبينما يشيّع الفلسطينيون شهداءهم الجدد، يبدو أن الاحتلال يستثمر لحظة الانشغال الدولي لفرض وقائع جديدة على الأرض، مستغلًا غياب الإرادة الدولية الحقيقية لردعه.

وهكذا، تبقى “التهدئة” مجرد كلمة في بيانات القمم، بينما يواصل الاحتلال سياساته على الأرض: اقتحام، واعتقال، وقتل... بلا رادع ولا حساب.