أعلنت الحكومة المصرية، ممثلة في جهاز تنمية التجارة الداخلية التابع لوزارة التموين، عن خطة جديدة لإنشاء أربع مناطق لوجستية في عدد من المحافظات، ضمن ما تسميه «خطة تطوير البنية التحتية التجارية». إلا أن هذه المشاريع، التي تأتي في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة اقتصادية خانقة وديون غير مسبوقة، تثير تساؤلات واسعة حول أولويات الدولة وجدوى إنفاقها، خاصة مع اعتمادها الكامل على القطاع الخاص بنظام حق الانتفاع — وهو الأسلوب الذي بات يثير الجدل بوصفه خصخصة مقنّعة لأصول الدولة.

 

وعود متكررة ومشاريع على الورق

تحدث حسام الجراحي، القائم بأعمال رئيس الجهاز، عن اختيار أربع محافظات لتنفيذ المشاريع الجديدة: الإسماعيلية الجديدة، سانت كاترين، مطروح، والبحر الأحمر. ووفق التصريحات الرسمية، تهدف هذه المناطق إلى دعم التجارة الداخلية وربط المحافظات بالموانئ والمناطق الصناعية. لكن على أرض الواقع، تتكرر هذه الإعلانات منذ سنوات دون نتائج ملموسة، بينما يظل المواطن يواجه غلاء الأسعار ونقص السلع، في الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن “خطط استراتيجية” لا تتجاوز حدود المؤتمرات الصحفية والعروض الدعائية.

 

بيع الأرض باسم التنمية

الاعتماد على نظام حق الانتفاع طويل الأمد (25 إلى 75 عامًا) يمنح المستثمرين السيطرة شبه الكاملة على أراضي عامة، تحت شعار "تشجيع الاستثمار". وهو ما يعتبره خبراء الاقتصاد تفريطًا في أصول الدولة ومواردها الاستراتيجية، لا سيما أن الحكومة لم تقدم حتى الآن أي دراسة واضحة حول العائد الفعلي من هذه المشاريع أو نسب مشاركة الدولة فيها.

وبينما يُطرح المشروع بوصفه "تنمويًا"، يرى مراقبون أنه جزء من مسار واسع لخصخصة البنية التجارية والخدمية، يتيح للقطاع الخاص التحكم في مفاصل الاقتصاد المحلي، من التخزين والنقل وحتى توزيع السلع الغذائية الأساسية.

 

توظيف أم تلميع إعلامي؟

تؤكد وزارة التموين أن المناطق اللوجستية ستوفر فرص عمل ضخمة، مشيرة إلى تجربة منطقة طنطا التي يُقال إنها وفرت 50 ألف فرصة عمل. لكن دون أي بيانات موثقة أو رقابة مستقلة، تبقى هذه الأرقام مجرد أداة لتجميل الصورة أمام الرأي العام. وفي الوقت نفسه، تُغلق المصانع الصغيرة وتختفي فرص العمل الحقيقية نتيجة السياسات المالية التقشفية، بينما تتجه الحكومة نحو مزيد من المشروعات الشكلية التي لا تعالج جذور الأزمة الاقتصادية.

 

توسّع بلا خطة

وبينما تعلن الحكومة عن إنشاء مناطق جديدة في الشرقية والمنصورة ومستودعات استراتيجية بقيمة 6 مليارات جنيه، لا توجد رؤية متكاملة لتوزيع هذه المشاريع جغرافيًا أو إدارتها ماليًا. فالأرقام المعلنة عن الاستثمارات تظل غامضة، والتكلفة الفعلية "تُركت لتقدير المطورين"، ما يعني أن الدولة تتنازل عن دورها التخطيطي وتكتفي بدور الوسيط الإداري بين المستثمرين والمواطنين.

 

اقتصاد يُدار بالمشروعات الورقية

تعكس هذه الخطة نموذج الإدارة الاقتصادية السائد حاليًا في مصر، القائم على الإعلان المتكرر عن مشاريع كبرى دون نتائج ملموسة أو مردود فعلي على المواطن. فبينما تتفاخر الحكومة بتحويل مصر إلى "مركز إقليمي للنقل واللوجستيات"، يعيش المواطن أزمة معيشية خانقة، وتتآكل قدرته الشرائية، في ظل غياب تام للشفافية والمساءلة.

 

وأخيرًا فان التنمية حقيقية أم ديكور اقتصادي؟

في ظل هذه المعطيات، تبدو خطة إنشاء المناطق اللوجستية الجديدة أقرب إلى حملة دعائية تهدف إلى إظهار الحكومة في صورة "المنشغلة بالتنمية"، بينما الواقع يكشف عن اقتصاد مرهون للمستثمرين وقرارات مرتجلة تُتخذ بلا دراسات واضحة ولا رقابة مستقلة.

إن التنمية الحقيقية لا تتحقق بالشعارات ولا ببيع الأرض، بل بسياسات اقتصادية عادلة تعيد للدولة دورها الإنتاجي وتضع مصلحة المواطن قبل أرباح المستثمرين.