في خضم الجدل الذي أثاره وصف المفكر والفقيه القانوني الدكتور محمد سليم العوا لقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي بأنه «تحمّل ما لا يتحمّله بشر»، تبرز انتقادات مفكرين وإعلاميين حادّة، يرون في هذا التصريح أكثر من مديح شخصي: لغة تضخيم تمهّد لتأليه سياسي، واستخدام فكري لدعم شرعية السلطة، عبر خطاب يمزج القداسة الوطنية بالدور البطولي.

 

لغة الخلود والبطل الخارق

 

عندما يستخدم العوا عبارة مثل “تحمّل ما لا يتحمّله بشر”، فإنه لا يصف فقط شخصًا صلبًا أو هدفًا سياسيًا، بل يشير إلى كائن شبه خارق، مما يرفع السيسي إلى مرتبة “بطل استثنائي” وليس مجرد رئيس. هذا النوع من اللغة، كما يقول النقّاد، يشبه استخدام خطابات مقدّسة أو خطاب الزعيم المعبَّر عنه في الموروث السلطوي: القائد الذي لا يتحمل الضغط كغيره من البشر، بل هو فوق الإخفاق، فوق الخطأ، وربما فوق المساءلة.

 

عزل المنقّذ عن المحاسبة


بوصفه على هذا النحو، يُخشى أن يُصبح أو يُقدَّم السيسي كشخص لا يمكن مساءلته بسهولة، لأن ما يفعله ليس “اختلالًا بشريًا”، بل جزء من قدر استثنائي يُحمَّل من قِبَل “رجل الدولة-البطل”. وبالتالي، يغلق الباب أمام النقد العادي، ويصعب الحديث عن أخطائه السياسية أو الإنسانية باعتبارها تجاوزات بشرية عادية، وليس أخطاء يليق بها المجلس والمجتمع أن يناقشها بحرية.

 

شرعية “الدولة عبر الزعيم


النقد من بعض المفكرين ذاهب إلى أن العوا لا يمتدح فقط السيسي، بل يقدم نوعًا من رؤية الدولة التي تحتاج إلى قائد من طراز أسطوري ليستوعب عبء الدولة واستقرارها. بهذا الخطاب، يُرسِّخ العوا دورًا مزدوجًا: هو المفكر الذي يقدّم ناصحة أخلاقية، لكنه في الحقيقة يُعيد إنتاج مشروع شرعية السلطة عبر خطاب “القائد المستثنائي”.

 

دعم بغطاء النقد

 

بينما قد يظهر العوا أحيانًا كناقد لبعض السياسات أو الأخطاء، إلا أن وصفه للسيسي بهذا الأسلوب يُظهر أنه ليس ناقدًا صرفًا ولا معارضًا راديكاليًا، بل “وسطيًا” يدعم السلطة من موقع فكري ديني. هذا الدور “الوسطي” هو ما يجعل العوا وجهًا مؤثرًا: ليس مجرد متزلّف نحو السلطة، بل مفكّر قادر على منحها بُعدًا أخلاقيًا أو فكريًا، مما يزيد من قبولها بين جمهور يميل إلى ذاك النوع من الخطاب الشرعي أو الديني.

 

التبرير الأخلاقي للسلطة

 

بمدحه للسيسي في هذا الأسلوب، العوا لا يمنح الشرعية السياسية فحسب، بل يمنحها مشروعية أخلاقية: القيادة ليست مجرد حكم، بل تضحية، معاناة، “تحمل استثنائي”. هذا التبرير هو ما يخشاه بعض النقّاد: أن يتحول الزعيم إلى شخصية شبيهة بالبطل الأسطوري الذي لا يتعرض للنقد العنيف لأنه “تحمّل ما لا يتحمله بشر”، فتصبح محاسبة السلطة أقل جدوى.

 

أداة خطابية للسلطة

 

العوا، بوزنه الفكري والديني، يمكن أن يصبح أداة ضمن أدوات الشرعية السياسية. دوره لا يقتصر على التبرير فقط، بل على إعادة إنتاج خطاب الدولة: الدولة ليست مجرد مؤسسات، وإنما مشروع ثقافي وأخلاقي، تحتاج إلى قائد بطل يتحمّل عبئها فوق القدرة العادية.

 

أمر مؤسف حقًا

 

وعلق يحيى موسى @YahiaMousa78294، "يمكنك أن تنتقد الآراء السياسية من د.سليم العوا أو غيره لا ضير، أما التجريح والتطاول على رجل مثله فغير مقبول، اتفق مع د.العوا أن السيسي عانى كثيرًا خلال حرب طوفان الأقصى، وربما كان لا يستطيع النوم من شدة الخوف والقلق.

 

أما مصدر القلق والخوف فهو تداعيات هذه الحرب على بقائه في القصر واستمرار نظامه في الحكم، لا مستقبل مصر ومصالحها العليا، كما لا يخفى على أي إنسان لديه الحد الأدنى من الوعي والإدراك.

 

اتفق معه أيضًا أن شكر ترامب للسيسي مستحق فقد أمّن الجبهة الجنوبية لإسرائيل ضد أي محاولة لإسناد غزة حتى على المستوى السياسي والإغاثي فقد منع قوافل فك الحصار العالمية من الوصول لرفح وأغلق المعبر لعام كامل قبل أن تحتله إسرائيل ثم جلس يشاهد اقتحام العدو للمعبر وخرق اتفاقية "السلام" بنفس راضية.

 

حملات الكذب والتضليل التي قادها السيسي ونظامه على مدار عامين انطلت على بعض السذج والبلهاء بالفعل حتى من بؤساء المعارضة، أما أن تنطلي على شخصية كسليم العوا فهو أمر مؤسف حقًا

 

 

وأضاف د.يحيى غنيم @YahyaGhoniem، "ليس غريبا أن يمتدح (مشيها يمتدح) سليم العوا الزعيم الشيصي في موقفه من تدمير وتهجير غزة والتآمر على مقاومتها، سليم العوا هو من قدَّم اللواء عبدالفتاح السيسي للرئيس مرسي وزكاه عنده ووصفه بالتدين والورع مما أوقع الخديعة به،

 

ويبدو أن الرجل لازال مصرًا على الخوض في الباطل والضلال وعدم الرجوع إلى الحق!".
 

 

واتفق مع سلامة عبد القوي @AbdelkawySalama  وكتب "وهنا نجد الجواب، الضرورة التي جعلت د. العوّا يمدح السيسي ليست لغزًا، إنها علاقة الودّ القديمة التي جعلت د. العوّا يرشّح السيسي وزيرًا للدفاع للدكتور مرسي، وما خفي كان أعظم.".

 

وذلك ضمن إشارته إلى تعليق من @omarsays_ قال "على ذكر العوا، كتير مياخدوش بالهم أن السيسي قال اسمه في خطاب التفويض أنه من ضمن ثلاثة ( هو ورئيس مجلس الشورى أحمد فهمي والدكتور هشام قنديل ) وسطهم عند الرئيس مرسي عشان يحاولوا يقنعوه يعمل استفتاء على بقائه يوم 3 يوليو قبل البيان

 

 

وبرأي المحامي عمرو عبد الهادي @amrelhady4000 فإن ما قاله الأكاديمي "محمد سليم العوّا رَزَع تعريضة على وزن أحمد موسى!".

 

وأوضح "أيوه سليم العوّا أيقونة الإسلاميين وتمثال العَجوة بتاعهم، وكل فترة يعيدوا تلميعه بعد ما اتكشف دوره مع الأمن في ٢٠١٤، طالع يقول إن #السيسي تحمّل ما لا يتحمله بشر في سنتين، حرب غزّة، ومديح ترامب ليه "مديح حقيقي" عشان يستاهل، لا وبينعته بالرئيس، هو فعلًا تحمّل ما لا يتحمله بشر، لأنه مش بني آدم أصلًا، ده من ذوات الأربع، بس أحب أفكّركم إن العوّا ده هو اللي سَجّل لمحمد مرسي في محبسه، وكان داخل يحبطه عشان يستسلم، بس تعمل إيه في الآخر طالما "إسلامي" يبقى عسل وسكّر ونسامحه، إنما أي حد تاني يبقى مشكوك فيه حتى لو تعلّق بأستار الكعبة.".

 

 

أهمية هذا النقد في السياق السياسي

 

تنبع أهمية نقد عبارة الدكتور العوّا من أنها لا تقف عند حدود رأي فردي، بل تمسّ طبيعة الخطاب السياسي نفسه؛ إذ تُظهر كيف يمكن لجملة واحدة - خصوصًا حين تصدر عن شخصية فكرية مرموقة - أن تُسهم في إعادة تشكيل الوعي العام، وصياغة صورة الحاكم، وترسيخ أنماط من “التقديس السياسي” الذي يتجاوز التقييم الموضوعي للأداء، ليؤثر في ميزان النقد والمسؤولية والمساءلة داخل المجال العام.

 

الشرعية عبر الفكر

 

في أنظمة مركّزة السلطة، وجود مفكّرين يمدحون القائد بعبارات أسطورية يُعطي شرعية فكرية وأخلاقية، وهو دور مهم جدًا: لا هو إعلامي فقط، ولا هو ناشط سياسي فقط، بل هو “مرمّز فكري” لخطاب السلطة.

 

خطر إلغاء المحاسبة

 

إذا وُضِع القائد في مرتبة “محمّل فوق طاقة البشر”، فإن أي نقد لمشكلة أو فشل يُبرر على أنه “ابتلاء” أو “تحدّ لم يكن محتملًا”. بهذا الشكل، تصبح المساءلة الحقيقية أقل فاعلية، وقد يُستخدم هذا التبرير لتجاوز الأخطاء الخطيرة.

 

توظيف الدين والفكر

 

العوا ليس مجرد أكاديمي، بل هو قامة قانونية فقهية معروف، لذا مدحه للحاكم يحمل بعدًا دينيًا أيضًا: القائد الذي يتحمّل “ما لا يتحمله بشر” قد يُقرأ كاختيار إلهي أو مشروع حكومي مقدّس. هذا النوع من الخطاب يدمج الفكر السياسي بالديني لصالح الشرعية.

 

النفوذ الفكري للسلطة

 

عندما يضطلع مفكر مرموق بدور داعِم للسلطة، فهو يوسّع شبكة نفوذها إلى ما هو أبعد من السلاح أو الإعلام: إلى الحقلّ الفكري، مما يمنح السلطة تمثيلًا أيديولوجيًا أقوى.

 

وفي النهاية، فإن الجدل حول عبارة الدكتور العوّا ليس مجرد خلاف لغوي أو حساسية لفظية، بل هو اختبار لطبيعة علاقتنا بالسلطة وكيف نفهم دور المفكر في لحظات الانقسام السياسي. فالكلمة التي تُقال في مساحة عامة قد تمنح شرعية، أو تُعيد تشكيل سردية، أو تُضعف قدرة المجتمع على مساءلة من يحكمه.

 

ومن هنا تأتي ضرورة أن يبقى الخطاب السياسي متزنًا، وأن يحافظ المثقفون على مسافة نقدية صحيّة تتيح لهم التعبير بصدق دون أن يتحول حضورهم إلى غطاءٍ رمزي لأي طرف. إن نقد هذه العبارة هو - في جوهره - دعوة لإحياء قيم التفكير الحر، ورفض أي نزعة تُعيد تشكيل الحاكم في موقع فوق بشري، وإعادة تأكيد أن السياسة لا تُدار بالانبهار، بل بالمحاسبة والوعي والمسؤولية.