في جريمة جديدة تُضاف إلى سجل الاحتلال الإسرائيلي الحافل بالانتهاكات، قُتل ستة فلسطينيين يوم الثلاثاء 14 أكتوبر 2025 شمال قطاع غزة، برصاص قوات الاحتلال بزعم “تجاوز الخط الأصفر” في منطقة عازلة. هذه الجريمة، التي وقعت بعد أيام فقط من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في قمة شرم الشيخ، تكشف زيف “السلام الأمريكي” وتؤكد أن الاحتلال لم يكن يومًا معنيًا بتهدئة أو استقرار، بل بإدارة دماء الفلسطينيين تحت غطاء دولي متواطئ.
جريمة ميدانية تحت ذريعة “الخط الأصفر”
وفق روايات ميدانية وشهود عيان، اقترب الشبان الستة من منطقة زراعية في شمال بيت لاهيا، تقع ضمن ما يسمى “المنطقة العازلة” التي فرضتها إسرائيل على طول الحدود الشمالية للقطاع. هذه المنطقة، التي تصفها قوات الاحتلال بأنها “محظورة أمنيًا”، أصبحت في الواقع مصيدة للموت، يُستهدف فيها كل من يقترب بحثًا عن الماء أو الطعام أو بقايا مواد للبقاء في ظل الحصار الخانق.
رغم أن الشبان لم يشكلوا أي تهديد، أطلقت قوات الاحتلال النار عليهم بشكل مباشر دون تحذير، ما أدى إلى مقتلهم على الفور. شهود من الهلال الأحمر أكدوا أن الطواقم الطبية مُنعت من الوصول السريع إلى موقع الحادث، في خرق صارخ للقانون الدولي الإنساني. وبحسب وزارة الصحة في غزة، نُقلت الجثامين إلى مستشفى كمال عدوان، حيث تم التعرف على الضحايا الذين كانوا جميعًا من المدنيين العُزّل.
هدوء ميداني مزعوم ودماء على الأرض
جاءت الجريمة بعد أقل من أسبوع من اتفاق شرم الشيخ، الذي وُصف بأنه “انطلاقة جديدة للسلام”، لكنه لم يصمد حتى كبيان إعلامي. فبدلاً من تثبيت الهدوء، عادت إسرائيل إلى ممارسة سياساتها القتالية الممنهجة، من اقتحامات في الضفة، إلى استفزازات في القدس، وصولًا إلى عمليات قتل في غزة، وسط صمت دولي مُطبق لا يراه الفلسطينيون إلا بوصفه تواطؤًا.
وبينما كانت الحكومات الغربية تتغنى بـ"نجاح الوساطة الأمريكية"، كانت قوات الاحتلال تنفذ اغتيالات بدم بارد، في مشهد يفضح ازدواجية المعايير ويؤكد أن الهدنة التي رعتها واشنطن لم تكن سوى غطاء مؤقت لترتيب الأرض وفق الرؤية الإسرائيلية – لا لحماية المدنيين.
مسؤولية مباشرة: الاحتلال يقتل.. وواشنطن تغطي.. والمجتمع الدولي يصمت
ما جرى شمال غزة ليس حادثًا عرضيًا بل نتيجة مباشرة لسياسة إسرائيلية قائمة على القتل الممنهج وتوسيع “المناطق المحظورة”، ما يجعل من كل تحرك مدني هدفًا مشروعًا. هذه السياسة تنفذها حكومة نتنياهو المتطرفة، التي تضم وزراء من التيار الفاشي، مثل إيتمار بن غفير، المسؤول مباشرة عن اقتحام المسجد الأقصى قبل أيام.
ومع ذلك، تواصل الولايات المتحدة منح هذه الحكومة الغطاء السياسي الكامل في مجلس الأمن، مانعة أي إدانة أو تحقيق دولي مستقل، بحجة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”، وكأن دم الفلسطينيين لا قيمة له في معايير العدالة الأمريكية.
الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي اكتفيا بـ”القلق العميق” المعتاد، وهو التعبير الدبلوماسي الذي أصبح مرادفًا لعدم الفعل. هذا التواطؤ بالصمت هو ما يشجع الاحتلال على التمادي، ويحوّل القانون الدولي إلى وثيقة بلا قوة، بينما يتواصل القتل تحت لافتة “الأمن الإسرائيلي”.
فشل “السلام الأمريكي” وواقع الاحتلال الدائم
هذه الجريمة تثبت مجددًا أن ما يُسمى “عملية السلام” لم يكن سوى إدارة صراع على الطريقة الأمريكية، تُبقي إسرائيل في موقع القوة وتحرم الفلسطينيين من أي أفق سياسي حقيقي. فبينما يجري الحديث عن “مناطق تهدئة” و”معابر إنسانية”، تواصل إسرائيل حصار غزة وتجويع سكانها وتمنع عودة مئات الآلاف من النازحين إلى شمال القطاع.
ولأن المجتمع الدولي لا يريد الاعتراف بأن الاحتلال هو جوهر المشكلة، يكتفي بإرسال المبعوثين وإصدار البيانات، بينما يبقى الفلسطينيون وحدهم في مواجهة آلة القتل، بلا حماية ولا عدالة.
وأخيرًا فانها دماء بلا ثمن
جريمة شمال غزة ليست استثناءً، بل امتداد لنهج مستمر: قتل، ثم تبرير، ثم صمت دولي. وبينما تُرفع الشعارات عن “السلام والاستقرار”، تُدفن الحقيقة في ركام الشمال، ويُترك الفلسطينيون ليحصوا أسماء الشهداء الجدد.
إن ما يجري اليوم يثبت أن “هدنة شرم الشيخ” لم تكن سوى غطاء سياسي لتمديد عمر الاحتلال، وأن ما يُسمى “الضمانات الدولية” لا تساوي شيئًا أمام رصاصة إسرائيلية مدعومة من واشنطن وصمت العالم.