رحل السياسي والأكاديمي يحيى القزاز عن عالمنا، فقد توفّي المعارض البارز وأستاذ الجيولوجيا في جامعة حلوان (جنوبي محافظة القاهرة)، اليوم الأربعاء، عن عمر أكثر من 68 عامًا، بعد معاناة طويلة مع مرض ارتفاع ضغط الدم الذي يُطلَق عليه "القاتل الصامت". وعلى الرغم من دخوله المستشفى لتلقّي العلاج أخيرًا، فقد غادره القزاز إنّما "على مسئوليته الشخصية"، وذلك بعد مسيرتين أكاديمية وسياسية حافلتَين.
عاش حرًا أبيًا
وقال الكاتب عمار علي حسن عبر صفحته على "فيسبوك": "ذهب الدكتور يحيى القزاز إلى جوار ربه. عاش حرًا، أبيًا، مخلصًا لوطنه ولما يؤمن به. علَّم أجيالًا في مجال الجيولوجيا، وجاب مصر من شمالها إلى جنوبها، محبًا لكل ذرة من ترابها ومؤمنًا بعظمتها."
وأضاف حسن: "كان القزاز رجلًا شجاعًا، يقاوم الظلم دون تردد، ويناضل من أجل الحرية والكرامة. لم يخشَ التحديات، ودفع الثمن برضا وثبات، متمسكًا بمبادئه حتى النهاية. كان يقول دائمًا: ’أنا أمامكم، فافعلوا ما تشاءون بي، واتركوا أهلي فلا ذنب لهم".
واختتم قائلًا: "عشت تناضل من أجل الحرية والعدل، والآن تجدهما في رحاب الله. نسأل الله أن يرحمك ويغفر لك، وأن يلهم أهلك وذويك الصبر والسلوان.".
كما نعاه الإعلامي معتز مطر، قائلًا: "المصري الدكتور يحيى القزاز في ذمة الله. لم ينحنِ ولم يهادن، ورحل رجلًا شامخًا. خالص العزاء للأسرة الشجاعة الصابرة المحاصرة. نشهدك يا رب أنه كفى ووفى. إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقه لمحزونون. الله غالب".
طالب باعتقال السيسي
وكان آخر ما كتبه القزاز على حسابه على منصة إكس: "واضح أن السلطة مستمرة في غيها وعنادها، ولم تتعلم شيئًا من ماض ولا من حاضر. الخطر يحيط مصر من جميع الجهات. والحوار من طرف واحد لرأس السلطة هو تقطيع طرق النجاة لمصر وخنقها. عناد الحكام يدمر الدول لأنهم يملكون سلطة القرار والشعب يدفع الثمن. السياسات الحالية تعجل بتدمير الدولة ورحيل السلطة".
كما كتب القزاز في حسابه على منصة "فيسبوك" في مايو 2018: قائلًا: "تسهيلًا لمهمة من يبحثون عن تهم يلفقونها للناس لإلقاء القبض عليهم: إنني أتهم السيسي بالخيانة العظمى وأطالب بإيقافه عن العمل ومحاكمته في ميدان عام للتفريط في حقوقنا التاريخية في نهر النيل، والتفريط في تيران وصنافير، وتضليل الجيش بادعاءات كاذبة كي يصمت على التفريط، والاستدانة من الخارج لدرجة غرق الأجيال القادمة فيها في مشروعات لا تدر عائدًا على جموع المواطنين".
ورد نظام السيسي على الأستاذ الجامعي بالاعتقال، ففي 23 أغسطس 2018 شنت قوات الأمن حملة اعتقالات طالت عددًا من السياسيين٬ منهم معصوم مرزوق، يحيى القزاز، الخبير الاقتصادي رائد سلامة.
وُلد يحيى القزاز في مصر في عام 1956، ليبرز اسمه بين الأكاديميين المدافعين عن الحريات والحقوق، إلى جانب كونه عالمًا متميّزًا في مجال الجيولوجيا. وهو كان يُعرَف بحبّه الشديد لـ"مصر وترابها"، الأمر الذي اتّضح في مسيرته العلمية التي قادته إلى التجوال في ربوع البلاد، مبرزًا جمالها وقيمتها الجيولوجية. ولم يكن القزاز أكاديميًا تقليديًا اكتفى بالمنهاج، إنّما كرّس جهوده للدفاع عن الحرية الأكاديمية وحقوق الطلاب وكان صوته حاضرًا في كلّ معركة تتعلّق بالكرامة والعدالة. وفي عام 2004، كان من أوائل مؤسّسي حركة "كفاية" التي اشتهرت بمناهضتها الاستبداد والتوريث، والتي طالبت بوقف التفريط في حقوق مصر السياسية والاقتصادية.
يحيي القزار في مواجهة السلطة
وفي عام 2017، أُلقي القبض على يحيى القزاز على خلفية تدوينات سياسية نشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، انتقد فيها سياسات النظام الحاكم. وقد وُجّهت إليه اتّهامات بالتحريض ضدّ الدولة وبالانتماء إلى جماعة إرهابية، الأمر الذي وصفه حقوقيون وسياسيون بأنّع "تلفيق". وقد أمضى القزاز ثلاثة أشهر في الحبس الاحتياطي في قضيّة رأي، إلى حين الإفراج عنه في أكتوبر من عام 2018 بكفالة مالية قدرها 10 آلاف جنيه مصري، غير أنّه ظلّ تحت مراقبة مستمرة وسط تضييق سياسي وإعلامي.
ولم تقتصر حملات الاستهداف التي تعرّض لها يحيى القزاز شخصه فحسب، بل امتدّت لتشمل أسرته. وفي عام 2019، مُنعت زوجته البالغة من العمر 66 عامًا من السفر لأداء العمرة، كذلك أُدرجت أسماء أبنائه في قوائم الممنوعين من السفر من دون أيّ سند قانوني. وقد نشر القزاز حينها تدوينة مؤثّرة وصف فيها الظلم الذي لحق بأسرته، جاء فيها "إذا كانت آرائي تزعج السلطة، فأنا مستعدّ لدفع الثمن. لكن ما ذنب زوجتي وأبنائي؟".
وفي شهر يوليو من عام 2019، أُحيل يحيى القزاز إلى مجلس التأديب في جامعة حلوان بتهمة "الانقطاع عن العمل"، وهي المدّة التي قضاها في الحبس الاحتياطي. وفي خطوة أخرى وُصفت بأنّها "انتقام سياسي"، أُحيل مجددًا إلى مجلس التأديب بزعم "الإخلال بواجبات وظيفته" وكذلك الانتماء إلى جماعة إرهابية، على الرغم من أنّ النيابة لم تتمكّن من إثبات هذَين الاتهامَين. وفي أغسطس من عام 2021، منع أمن جامعة حلوان محاميه من حضور جلسة مجلس التأديب، في واقعة أثارت استياء حقوقيين رأوا في ذلك "عصفًا بالحريات الأكاديمية وقواعد العدالة".
وكان يحيى القزاز قد عُرف بمواقفه الثابتة ومبادئه التي لم تتبدّل على الرغم من كلّ أشكال التنكيل التي تعرّض لها. فهو ظلّ مؤمنًا بأنّ الحرية والعدالة هما أساس الدولة الحديثة، وقد رفض بطريقة قاطعة السكوت على الظلم. وفي أحد تصريحاته، قال إنّ "احترام الدستور والقانون هو أساس قوّة الأنظمة، لا القوّة الغاشمة".