تعتبر الزراعة أحد القطاعات الحيوية في مصر، حيث تعتمد عليها نسبة كبيرة من السكان كمصدر رئيسي للعيش. ومع ذلك، شهدت السنوات الأخيرة انهيارًا ملحوظًا في هذا القطاع، حيث تشير التقديرات إلى انخفاض حاد في الإنتاجية الزراعية، مما أثر سلبًا على الأمن الغذائي وزيادة الأسعار. الحكومة المصرية، برئاسة رئيس الانقلاب عبد الفتاح السيسي، تلقي باللوم على سد النهضة الإثيوبي، في حين أن الفساد والفشل الاقتصادي هما السبب الحقيقي وراء هذه الأزمة.
يبدأ الحديث عن أزمة الزراعة المصرية من الفشل في إدارة الموارد المائية، وخاصةً بعد إنشاء سد النهضة. حيث تمثل الموارد المائية حجر الزاوية في الزراعة، وبدلاً من السعي نحو التفاوض الفعّال مع الجانب الإثيوبي لحماية حقوق مصر في مياه النيل، اتبعت الحكومة سياسة إدارية ضعيفة. بل إن الخطط التي وضعتها الحكومة لإدارة أزمة سد النهضة كانت غير كافية ولم تعكس جديتها في التعامل مع الأزمة. هذا الفشل أدى إلى تفاقم الوضع وزيادة الاعتماد على واردات المواد الغذائية، مما ساهم في ارتفاع الأسعار.
وعلى الرغم من الأزمات المائية، فإن السبب الجذري لانهيار الزراعة في مصر يعود إلى الفساد المستشري في النظام. حيث تشير التقارير إلى أن جزءًا كبيرًا من الأموال المخصصة للزراعة يتم إهدارها أو اختلاسها من قبل المسؤولين. تذهب الاستثمارات الحكومية المخصصة للزراعة إلى مشاريع وهمية أو غير فعالة، مما يجعل الفلاحين في حالة من الإحباط وعدم الثقة. الفساد يعوق تنفيذ السياسات الزراعية الناجحة، وبدلاً من ذلك، يستفيد منه قلة من المسؤولين على حساب الأغلبية.
علاوة على ذلك، يواجه الفلاحون في مصر تحديات إضافية تتعلق بتوفير المدخلات الزراعية الأساسية مثل البذور والأسمدة. في السنوات الأخيرة، شهدت البلاد نقصًا كبيرًا في هذه المدخلات بسبب سوء الإدارة والفساد. بينما كان من المتوقع أن تدعم الحكومة الفلاحين، إلا أن واقع الأمر كان مغايرًا، حيث تفاقمت معاناة الفلاحين نتيجة لارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص الموارد.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن نعتبر سياسات الحكومة الاقتصادية بشكل عام عاملًا مسهمًا في الأزمة. فقد اتبعت الحكومة المصرية سياسة الانفتاح الاقتصادي التي كان من المفترض أن تعزز من نمو القطاع الزراعي، لكن النتائج كانت عكسية. حيث أدت تلك السياسات إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد بدلاً من تعزيز الإنتاج المحلي. كما أن السياسات المالية غير المدروسة أدت إلى تضخم الأسعار، مما أثر سلبًا على القدرة الشرائية للفلاحين والمستهلكين على حد سواء.
وعندما يتعلق الأمر بإنجازات الحكومة، فإن الكثير من المشاريع الكبرى التي تم الإعلان عنها في السنوات الأخيرة لا تعكس تحسنًا حقيقيًا في قطاع الزراعة. بل إن العديد من تلك المشاريع هي مجرد صور تجميلية لمشاكل متأصلة في النظام. فبدلاً من معالجة القضايا الأساسية، مثل الفساد وسوء الإدارة، تم توجيه الاستثمارات نحو مشاريع عملاقة لا تعود بالنفع على الفلاحين أو المجتمع بشكل عام.
ولعل من أبرز مظاهر الفشل الحكومي هو كيفية تعامل الحكومة مع الاحتجاجات الشعبية ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية. فقد تم قمع تلك الاحتجاجات بشكل صارم، دون النظر إلى المطالب المشروعة للفلاحين والمواطنين. وبدلاً من البحث عن حلول واقعية، تم استخدام القوة لقمع الأصوات المعارضة، مما أدى إلى تفاقم مشاعر الإحباط والغضب في المجتمع.
في الختام، يمكن القول إن انهيار الزراعة في مصر هو نتيجة مباشرة للفساد والفشل الاقتصادي، وليس فقط بسبب سد النهضة. تحتاج الحكومة إلى مراجعة سياساتها وإجراءاتها لتكون أكثر شفافية واستجابة لمطالب الفلاحين والمواطنين. ينبغي أن تكون هناك خطط استراتيجية حقيقية للتعامل مع أزمة المياه ولتعزيز الإنتاج الزراعي المحلي. إن اعتماد الحكومة على شماعة سد النهضة كسبب لكل المشاكل لن يحل الأزمة بل سيزيدها تفاقمًا. لم يعد الوقت مناسبًا لتجاهل الحقائق، بل يتعين على الحكومة اتخاذ خطوات جادة لإعادة بناء قطاع الزراعة في مصر، وتحقيق الأمن الغذائي، وضمان مستقبل أفضل للمواطنين.