شهدت مصر خلال الفترة منذ مطلع يناير من العام الحالي حتى 15 فبراير الجاري نحو 25 حالة انتحار، بخلاف الحالات التي كانت عبارة عن محاولات انتحار فقط، وتم إنقاذها، وفقا لرصد قامت به منظمات حقوقية.


وقال مراقبون إنه بظل الأوضاع الاقتصادية تسوء أيضا الأوضاع الاجتماعية فبات الوضع بالنسبة لها مؤسفا وعلى حافة الإنفجار إن لم يكن بدأ فعلياً في مظاهر كثيرة منها؛ كثرة السرقات واختلاف طبيعتها وتوسعها الجغرافي، وزيادة حالات الطلاق وحالات الانتحار المتتالية والمسببة بالوضع الاقتصادي المتأزم للأفراد. 


ورصدت منظمة الفجر (دوان) لحقوق الإنسان انتحار والدة طفل محكوم بتهمة الاحتجاج السلمي في عام 2019 واعتبرت أن ذلك أظهر خذلان السيسي للشعب المصري بعدما حكم قاضي محكمة الإرهاب سيئ السمعة محمد سعيد الشربيني تعسفيًا على 82 شخصًا، بينهم 22 طفلًا، بالسجن لمدد طويلة في محاكمة جماعية تفتقر إلى الضمانات الأساسية للإجراءات القانونية الواجبة.


وقالت (داون) إن انتحار الأم سلط الضوء على تطور الاتجاه المقلق في البلاد. ارتفع معدل الانتحار داخل مصر بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية: في عام 2022، انتحر 7,881 مصريًا مقابل 3,022 في عام 2019، حيث أن تدهور الأوضاع داخل مصر يدفع الناس إلى اليأس.


قال محمد كمال، مساعد أبحاث الشؤون المصرية في '(DAWN): "إنّ انتحار إحدى أمهات المراهقين المحكوم عليهم يجسد الطرق التي لا تعد ولا تحصى التي خذل فيها الرئيس السيسي الشعب المصري وكيف فشلت الولايات المتحدة في محاسبته على أفعاله". وأضاف أن "الشعب المصري يواجه مستويات غير مسبوقة من اليأس نتيجة سياسات السيسي".


ومن أبرز الحالات الأخرى تخلص فتاة في 15 يناير من حياتها في الساعات الأولى من الصباح بعدما ألقت بنفسها من الطابق الثامن، بسبب خلافات مع والدها في مدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، ودأبت الفتاة التي تسبب انتحارها في حزن عارم بين المصريين، على الكتابة عن الموت عبر حسابها على موقع «فيسبوك» تطلب فيها من أصدقائها الدعاء لها ومسامحتها.


وقبل 5 أيام، وفي 12 فبراير عادت عجلات الانتحار تفتك بالمصريين مرة أخرى بعد توقف لم يدم كثيرا، حيث أقدم مواطن مصري على التخلص من حياته، بإلقاء نفسه أسفل عجلات مترو الأنفاق بمحطة حدائق القبة..


وفي 23 يناير، أصدرت دار الإفتاء المصرية بيانا أكدت فيه أن الانتحار كبيرة من الكبائر وجريمة في حق النفس والشرع، والمنتحر ليس بكافر، ولا ينبغي التقليل من ذنب هذا الجرم..


ووصل الداء إلى سيدة عجوز أنهت حياتها بمركز شرطة جهينة بمحافظة سوهاج، كما انتحر زوجان مصريان بالقفز من الطابق السادس في واقعة مأساوية شهدتها منطقة المريوطية بمصر.

 

بعض التفسيرات للانتحار


وفي محاولته لتفسير ما يحدث قال وزير الصحة والسكان خالد عبد الغفار إن 25% من المصريين مصابون بأمراض نفسية، مشيرا إلى أن هذه الأمراض تشمل الاكتئاب والقلق والضغط النفسي والعصبي وغيرها.


وفي سياق متصل أعلن وزير الصحة بحكومة الانقلاب إطلاق برنامج «أسرة» لمواجهة الزيادة السكانية، الذي يعمل خلال الـ 5 سنوات المقبلة على تحقيق مستهدفاته.


وفي تفسيره للانتحار قال د.أحمد عكاشة أستاذ الطب النفسي في تصريحات صحفية إن 30% من سكان العالم مرضى نفسيين و5% من المصريين "مكتئبون" وأن الإحساس بالذنب يقود لـ"الانتحار".


واعتبر أن "المريض العقلى والنفسى تعرض لظلم اعلامى كبير على مدار الفترة الماضية، فضلاً عن التهميش الكامل له واعتباره فضيحة على الرغم من انه انسان له كامل الحق في الحياة الشريفة السليمة".


ورأى عكاشة في أكتوبر 2021، أن "ثلث المرضى النفسيين حول العالم والبالغ نسبتهم 30% من اجمالى سكان العالم، يعتبرون المرض النفسى والعصبى ابتلاء من الله وبالتالى لا يقومون بعلاجه خاصة في المناطق ذات الحضارة المتأخرة والثلث الثانى يذهبون إلى ممارس عام، أما الثلث الأخير منهم 2.5% فقط يذهبون إلى الطبيب النفسى و0.5% فقط يذهبون إلى مستشفيات الأمراض النفسية والعصبية".



السفيرة نبيلة مكرم وزيرة الدولة للهجرة وشئون المصريين بالخارج السابقة، ونجلها قتل امريكيين  بالولايات المتحدة نتيجة لذلك قالت إن "المرض النفسي قد يقود إلى محاولة الانتحار، ويجب على المجتمع المساندة وتخفيف الآلام وتوفير البيئة المحيطة التى تتفهم معاناة صاحب المرض النفسي، وإيجاد حل لمشكلاته، مشيرة إلى دور الجامعة فى تقديم دراسات وأبحاث للظروف النفسية فى ظل المتغيرات التي طرأت على المجتمع "، ولكنها لم تتطرق لمشكلة ابنها النفسية والتي تسببت بقتل زملائه!!


17% "مرضى نفسيين"


وفي 30 ديسمبر 2015، قال الدكتور محمد غانم، رئيس قسم الطب النفسى بجامعة عين شمس، إن نسبة المرضى النفسيين فى مصر تتجاوز 17% من الشعب وهو ما يعني ارتفاع النسبة خلال سنوات الانقلاب بمعدلات تصل إلى 8% لتصل إلى نسبة ال25% التي رصدها وزير الصحة في 2023.


وأشار محمد غانم فى تصريحات صحفية إلى أن النسبة جاءت نتيجة دراسة أُجريت على 15 ألف شخص قام بها فريق بحثى كبير يضم عددًا من الباحثين النفسيين على مستوى خمسة محافظات هى "الإسكندرية والإسماعيلية والقليوبية والفيوم والجيزة" وتوصلوا لنتيجة أن أكثر من 17% من الشعب المصرى يصابون بمرض نفسى خلال حياتهم.


وأضاف غانم أن معدل انتشار الأمراض النفسية يكون فى المرحلة العمرية من 18 إلى 64، ولم تشمل الدراسة الأمراض النفسية للأطفال والمسنين ما بعد 64، وأمراض الإدمان.


ونبه إلى أن المرض النفسى ينتشر بشكل متزايد بين النساء ومن يعانون من البطالة والمطلقات بسبب العوامل الاجتماعية، ويزيد مع العلل البدنية "أمراض الجسم" خاصة من يعانون من أمراض ارتفاع ضغط الدم والقلب والكلى.