قالت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن خطط صندوق النقد الدولي لا تأتي إلا بالفشل، واعتبرت أن تقرير الصندوق الأخير عن الحالة الاقتصادية في مصر اعتراف متأخر بالمشكلات الهيكلية التي تُركت دون معالجة.

وأوضحت المجلة أن تقرير برنامج صندوق النقد "ابتعد أخيرًا عن الحد من الأداء الضعيف لمصر إلى صدمات خارجية، مشيرًا في تقرير البرنامج الأحدث إلى أن اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا قد تبلور قبل الضغوط القائمة، مع الاعتراف بأن المشاكل المركزية التي تقوّض الاقتصاد المصري كانت في مصر وليست بسبب الصدمات الخارجية".

 

الثراء الفاسد

واستدرك تقرير المجلة أن هذا الاعتراف الذي وضع الأمور في نصابها إلى حد ما جاء "بعد عدة سنوات من إشادة صندوق النقد الدولي ومساهميه بالأداء الاقتصادي لمصر، ما ساعد النظام على إثراء نفسه بشكل واضح مع تدمير الصحة المالية للدولة المصرية وإفقار السكان، الذين اضطروا إلى مواجهة نوبات متكررة من العنف".

وقال إن "التقشف والتضخم الذي يسيل له اللعاب الذي تجاوز في بعض الأحيان 30%، والانهيار المتكرر لعملة البلاد".

وأضاف أن من أسماهم "قادة" مصر (عصابة السيسي والانقلاب) يتحملون المسؤولية عن أفعالهم ضد مصالح البلاد وشعبها، لكن صندوق النقد الدولي ومساهميه مسؤولون أيضًا عن الدور الذي لعبوه في التمكين، وفي حالة بعض المساهمين، والاستفادة من هذه الديون المدمرة التي غذّت فورة الإنفاق.



القادم أسوأ

وحذرت مجلة “فورين بوليسي“، في تحليلها من القادم الذي سيكون أسوأ.

وأضافت أن "إخفاقات صندوق النقد في مصر، هي قصة تحذيرية، تسلّط الضوء على أوجه القصور الصارخة في نهج الصندوق الحالي للتخطيط الاقتصادي".

وعن 6 سنوات منذ أول قرض من الصندوق، ثم الثاني والثالث، قال تحليل فورين بوليسي إن النظام المصري أمضى السنوات الماضية في استخدام وصول البلاد الواسع إلى الائتمان لتمويل مجموعة واسعة من المشاريع العملاقة، ومشاريع البنية التحتية التي تمت دراستها بشكل سيئ، والتي غالبًا ما تم التعاقد معها بشكل مباشر مع الشركات المملوكة للنظام، ولا سيما الشركات المملوكة للجيش.

وعن تأثير هذه المشروعات، قال أصبحت مصر مثقلة بكمية لا يمكن تحملها من الديون؛ حيث استهلكت خدمة الفائدة وحدها بشكل منتظم قرابة نصف إيرادات الدولة.

وأوضحت أنه "في غضون ذلك، كانت الشركات المملوكة للنظام معفاة بشكل عام من ضرائب الشركات وضريبة القيمة المضافة والجمارك، ما أدى إلى حرمان الدولة من مصادر الإيرادات التي تشتدّ الحاجة إليها".

وأبان أن الكسب غير المشروع كان صارخًا ومضرًا بالصحة المالية للدولة، لدرجة أن برنامج صندوق النقد الدولي الجديد يفرض قيودًا محددة على الحكومة التي تبدأ مشاريع جديدة.

 

ورطوه وصحوا

المجلة رأت أن صندوق النقد تطرق أخيراً لمشكلات مصر، وأن البرنامج الجديد بدأ بالتطرق إلى الإدارة الواضحة والمصادر الاقتصادية السياسية لمشاكل مصر الاقتصادية طويلة الأمد والمتنامية، بما في ذلك الإمبراطورية الاقتصادية المتوسعة للجيش.

وأشار إلى إلى أن بدء هذه الاستجابة الجادة لهذه القضايا الصارخة، جاءات بعد أن زاد النظام الدينَ الخارجي لمصر بأكثر من 100 مليار دولار.

وحملت المجلة الصندوق مسؤولية هذه المليارات وقالت إنها كانت بسببه "تسهيل قدرة مصر على اقتراض مثل هذه المبالغ الضخمة من خلال دعم الصندوق المستمر والثناء على إصلاحاته الاقتصادية، بدءًا من أول برنامج قروض سيئ التصميم، والذي أعلن صندوق النقد الدولي أن مصر أكملته بنجاح في يوليو 2019".

ولفتت إلى أن الصندوق روج "مزاعم نجاح مصر، في عام 2020" فاضطرت البلاد إلى العودة إلى صندوق النقد الدولي من أجل ضخٍّ نقدي يصل إلى ما يقرب من 8 مليارات دولار في شكل تمويل إضافي.

وأوضحت أن ذلك جاء تاليا بعد أن فرّ المستثمرون القلقون من الديون المصرية من البلاد بنحو 14 مليار دولار، في غضون ستة أسابيع فقط مع بداية جائحة كورونا.

وأنه "بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، خرج المستثمرون فجأة من مصر بنحو 20 مليار دولار، والعام الماضي، أطلقت تحذيرات من أن مصر كانت من بين البلدان الخمسة الأولى المعرّضة لخطر التخلّف عن السداد".

 

قصص الهشاشة

وأشارت "المجلة" إلى أنه "بالنسبة لمؤسسة مالية تركز في المقام الأول على تنفيذ البرامج التي تهدف إلى إنتاج “استقرار الاقتصاد الكلي”، فإن هذا يمثّل كثيراً من الهشاشة في قصة النجاح المفترضة لصندوق النقد الدولي".

وقالت: "يمكن للمرء أن يجادل بشكل معقول بأن الوباء وغزو روسيا لأوكرانيا كانتا لحظات فريدة من نوعها تاريخياً، أنتجت صدمات استثنائية لم تكن خطأ الحكومة المصرية أو صندوق النقد الدولي".

وأردفت "تكمن المشكلة في أنّ معظم الأهداف الأخرى لصندوق النقد الدولي في برنامج 2016، كانت تظهر بالفعل علامات الفشل في عام 2019.".

وأكملت أن "الهدف الرئيسي للبرنامج هو تحقيق نمو يقوده القطاع الخاص في مصر، ومع ذلك، في الشهر الذي يسبق النجاح المعلن لصندوق النقد الدولي، أظهرت استطلاعات مؤشر مديري المشتريات لبنك الإمارات دبي الوطني أن القطاع الخاص قد انكمش بالفعل".

وأبانت أنه في الواقع، انكمش القطاع الخاص في مصر لمدة 75 شهرًا من 84 شهرًا الماضية، أو سبع سنوات. وكان الهدف من برنامج 2016، هو خلق فرص عمل وزيادة المشاركة في سوق العمل، لا سيما بين النساء والشباب.

وزادت أنه في الواقع، انخفضت المشاركة الإجمالية للقوى العاملة من 47% في عام 2016 إلى 42% بحلول عام 2019، وخلال ذلك الوقت، انخفضت المشاركة في القوى العاملة خاصة بين النساء والشباب من 23% إلى 16%، ومن 30% إلى 22% على التوالي.

وقال صندوق النقد الدولي إن قرضه لعام 2016 سيعزز “النمو الشامل”، وفي ذلك العام بلغ معدل الفقر 27.8%، وارتفع إلى 29.7% في 2019-2020، وفقًا للإحصاءات الحكومية، وقدّر البنك الدولي في عام 2019 أن 60% من المصريين يعيشون بالقرب من خط الفقر أو تحته.

 

فساد صفقات الأسلحة
وقال تحليل فورين بوليسي أن جنرالات مصر لم ينفقوا فقط لإثراء أنفسهم.. لقد أنفقوا لكسب الأصدقاء في العواصم الرئيسية. من عام 2012 إلى عام 2021، قدّمت مصر ما يقرب من 12.3 مليار يورو (نحو 13.2 مليار دولار) من طلبات الأسلحة من فرنسا، أي ما يقرب من الاتحاد الأوروبي بأكمله في نفس الفترة.

وأضافت المجلة أنه في عام 2021، وهو عام قياسي بالنسبة لصادرات الأسلحة الألمانية، ذهب 46% من صادرات الأسلحة الألمانية إلى مصر.

 

خطة موصومة

وأقرت المجلة أن صندوق النقد الدولي صندوق إلى عدد أقل من الاقتصاديين وعدد أكبر بكثير من المتخصصين في الدولة، والاقتصاديين السياسيين، وعلماء الاجتماع، والمؤرخين الذين يبنون برامج المستقبل، وكان بإمكان أي اقتصادي سياسي يعمل في مصر تحديد العديد من هذه المخاطر، قبل وقت طويل من صرف الدفعة الأولى في عام 2016.

ورأت فورين بوليسي أن البرنامج الثالث رائعًا لأنه تجرّأ أخيرًا على محاولة كبح جماح الكسب غير المشروع الذي يوجّهه النظام، لكن من اللافت للنظر أيضًا أن الأمر استغرق ثلاثة برامج وأكثر من ست سنوات حتى أدرك الصندوق أن ذلك كان ضروريًا.


تقرير ديسمبر

وفي تقرير حديث في ديسمبر الماضي، ل"فورين بوليسي"، أظهرت المجلة الأمريكية مساندتها لفكرة وضع حد لولاية السيسي، واتهمته بتخصيص ثروات طائلة لمشاريع فرعونية لا تحسن الظروف المعيشية للسكان.

ومع ذلك، لم يخرج السكان إلى الشوارع للاحتجاج حتى الآن، كما حدث عام 2011 مع الرئيس حسني مبارك. ويفسر ذلك بأنه ربما بأن الخوف من السيسي أكبر من الخوف من مبارك.

وذكر الموقع أن باراك أوباما لم يكترث لطلب مبارك لإنقاذه سنة 2011، وتركه يسقط. لكن، في هذا الصيف، التقى الرئيس جو بايدن مع السيسي، مرسلا إشارة يمكن وصفها بأنها غامضة، لكنها تدعم سياساته بطريقة ما.

وأكدت أنه من الواضح أنه لا القوى الغربية ولا الإقليمية تدعم تجارب من أي نوع مع الإسلاميين، بمن فيهم أولئك الذين تخلوا عن مسار العنف.