أثار الزلزال القوي الذي ضرب تركيا وسوريا العديد من الأسئلة المهمة حوله، وخصوصًا كيفية التنبؤ بتوقيت حدوث الزلازل أو شدتها، وهل يمكن حدوث زلزال قوي مرة ثانية حاليًا، وأبرز التوقعات عن حدوث موجات تسونامي، وما أهم الاحتياطات المستقبلية؟

وسننقل إجابات علماء متخصصين في الزلازل والبراكين، حول التساؤلات المرتبطة بالمخاطر المحتملة لزلزال تركيا.

 

ماذا حصل؟

يقول الجيولوجي، سمير الأسد، رئيس الجمعية الجيولوجية السورية، "انطلاقًا من فرضية وجود عدة صفائح تكتونية “متحركة لسطح الأرض”، ومنها الصفيحة العربية التي تنفصل عن الصفيحة الإفريقية بفالق البحر الأحمر الذي يؤدي إلى تباعد ضفتيه بمقدار 2 سم سنويًا انتقالًا إلى البحر الميت ثم سرغايا وبعلبك بلبنان ثم سهل الغاب، وصولًا إلى منطقة كلس شمال غرب سوريا وجبال طوروس، أدى تحرك الصفيحة العربية نحو الشمال والشرق إلى تصادمها مع صفيحة الأناضول، الأمر الذي سبب تحرير قوة كامنة على شكل هزة أرضية على شكل زلزال قوي ومدمر بشدة 7.8 درجات على مقياس ريختر".

ويواصل أن الصفيحة العربية يحدها من الشرق صفيحة زاغروس الإيرانية، ومن المتوقع أن تتجمع الطاقة الكامنة على هذه الحدود في المستقبل، ومن الممكن أن تنقل عبر فوالق السلسلة التدمرية لتشكل هزات أرضية يصعب التنبؤ بتوقيت حدوثها أو شدتها.

وأكد أن آخر زلزال حصل عام 1759 دمر جزءًا كبيرًا من مدينة دمشق، وأن الزلازل التاريخية تبيّن بأنه بين كل 250 و300 سنة يحدث زلزال كبير على خط الانهدام السوري الإفريقي الكبير، ولكن ذلك ليس مؤكدًا.

 

هل يمكن حدوث زلزال قوي مرة ثانية حاليًا؟

يقول الدكتور جاد القاضي، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية بمصر، عن احتمالية حدوث زلازل أخرى ناتجة عن تحفيز أرضي وليس توابع ضعيفة نتيجة للزلزال الأصلي، إنه من المتوقع بالفعل أن يحدث تحفيز للزلازل في أماكن أخرى، كنتيجة طبيعية لحدوث زلزال قوي مثل الذي حدث في تركيا.

وتابع أن المواطنين ربما يظنوا أن الزلزال الذي سيحدث في مناطق أخرى هو أحد توابع الزلزال القوي الذي ضرب جنوب تركيا وسوريا، لكن ذلك ليس صحيحًا، على حد قوله.

أشار إلى أن المنطقة التي يحدث فيها الزلزال الجديد تكون منطقة بعيدة عن مكان الزلزال القديم؛ ومن ثم يكون ذلك نتيجة كتحفيز لأماكن أخرى وليس توابع له، مشددًا على أن توابع الزلازل دائمًا ما تكون ضعيفة من حيث القوة.

وأكد أن المنطقة التي حدث فيها الزلزال وما حولها منطقة زلازل نشيطة منذ آلاف السنين، مشيرًا إلى أن المنطقة شهدت زلزالًا قويًا للغاية في عام 1990، تسبب في وفاة المئات وإصابة الآلاف، مطالبًا حكومات الشرق الأوسط بالتكاتف من أجل مواجهة هذه الزلازل المحتملة التي سوف تغير شكل المنطقة.

بينما ينفي الجيولوجي، سمير الأسد، رئيس الجمعية الجيولوجية السورية، حدوث زلازل جديدة بالمنطقة، مبررًا ذلك بأن الطاقة الكامنة قد تم تفريغها بشكل كبير ولا يمكن حدوث زلزال رئيس آخر حاليًا، وما يحدث هو هزات ارتدادية فقط.

 

هل تظل المدن التركية في خطر؟

تقول الخبيرة التركية أيسون أيكان، عضو مجلس إدارة غرفة المهندسين الجيولوجيين في مرمرة، في تصريحات نقلتها وسائل إعلام تركية، في نوفمبر من العام 2021، إن "خط الصدع المباشر للزلازل يمر في 24 مدينة وسط تركيا، وهناك 24 مدينة تركية معرضة لخطر وقوع زلزال مدمر في أي لحظة".

وأضافت أن "تركيا تقع على أحد أحزمة الزلازل الأكثر نشاطًا، حيث يوجد فيها 3 خطوط صدع رئيسة هي خط صدع شمال الأناضول وخط صدع شرق الأناضول وخط صدع غرب الأناضول".

وأشارت إلى أنه "عند النظر إلى خريطة الصدوع النشطة فإن هناك ما يقرب من 500 صدع نشط لديها القدرة على إحداث زلازل بقوة 5.5 على مقياس ريختر وما فوق".

وتكمن خطورة الزلازل بتلك المنطقة في أنها تعج بالسكان. وكتب المختص بالزلازل ستيفن هيكس في تغريدة له "وقع الزلزال بالقرب من الحدود السورية، في منطقة تتمتع بكثافة سكانية عالية، ولذلك حتى قبل أن نحصل على معلومات، فأنت تعلم أنها لن تكون جيدة".

وأكد هيكس أنه وفقا للأخبار والصور المبدئية، فمن الواضح أن الزلزال سيسجل كواحد من أكبر الزلازل التي حدثت في منطقة سكنية في تاريخ الكرة الأرضية.

 

هل يمكن حدوث هزات ارتدادية؟

يعتبر هذا الزلزال هو الأقوى منذ عام 1995، وستستمر حالة عدم الاستقرار الزلزالي، وحذرت وكالة الطوارئ والكوارث الحكومية "آفاد" من المزيد من الهزات الارتدادية التي قد يرقى بعضها إلى قوة زلازل بشدة تتراوح بين 6.5 و6.7 درجات على مقياس ريختر، ويمكن أن تستمر من عدة ساعات إلى عدة أيام إلى أن تتلاشى القوة الكامنة.

 

هل يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل؟

قالت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، إنه لا يمكن التنبؤ بحدوث الزلازل، ولم يسبق للهيئة أو لأي علماء آخرين أن نجحوا بالتنبؤ بذلك، وأضافت: "لا نعلم ذلك، ولا نتوقع أن نتمكن من القيام بذلك في المستقبل القريب، وما يمكن لعلماء الهيئة فعله هو حساب احتمالية وقوع زلزال كبير في منطقة محددة خلال عدد معين من السنوات، وليس معرفة تاريخ حدوث الزلزال بدقة".

إلا أن مركز "إس إس جي إي أو إس" (SSGEOS) المختص بالتنبؤ بالزلازل، قد حذر في 30 يناير الماضي من احتمالية حدوث نشاط زلزالي قوي في تلك المنطقة، وأعاد الكثيرون مشاركة تلك التغريدات بعد وقوع الزلزال.

من جهته، ذكر البروفيسور المختص بعلم الزلازل في تركيا ناجي غورور في مقابلات تلفزيونية، أنه حذر مرارا في السابق من احتمال وقوع زلازل شديدة على طول الصدع الزلزالي المسمى "فالق جنوب الأناضول"، وفقًا للجزيرة".

ولفت إلى أن مجموعة باحثين في جامعة إسطنبول التقنية حذروا -في دراسة نشرت لهم مؤخرا- من أن منطقة صدع "ملاطية" المتفرع عن الصدع الرئيسي لجنوب الأناضول، لم تشهد زلازل ذات شدة عالية منذ نحو 1500 عام، ما يعني أنها معرضة لزلازل من هذا النوع.

 

هل يمكن أن يحدث تسونامي بحري؟

يقول الباحث في علم الأحياء التطوري في جامعة غوتة في فرانكفورت الألمانية، محمد صلاح سرور، في معرض رده على هذا التساؤل، إنه "ليحدث تسونامي يجب أن يكون مركز الزلزال (epicenter) أعماق البحر أو المحيط، أو يكون قريبًا بدرجة تكفي لإحداث أثر في المسطح المائي".

ويضيف نقلًا عن مركز أبحاث الزلازل التابع لجامعة الهند الغربية، والذي يعتبر المصدر الرئيس للمعلومات عن الزلازل والبراكين في منطقة شرق الكاريبي، إنه "يجب أن تكون شدة الزلزال لا تقل عن 6.5 على مقياس ريختر، ويجب أن يصل تأثير الزلزال للقشرة الأرضية بالقرب من السطح، ويكون مركزها قريبًا من السطح (أقل من 70 كيلومترًا تحت سطح الأرض)، ويجب أن يُحدث الزلزال حركة عمودية في قاع البحر لعدة أمتار".

ويختم: "طبقًا لهذه الشروط لا يحقق زلزال تركيا من هذه الشروط إلا شرطًا واحدًا فقط وهو شدة الزلزال التي تجاوزت 7.8 على مقياس ريختر، وبالتالي لا يوجد أي احتمال لحدوث تسونامي".

 

ما أهم الاحتياطات المستقبلية؟

يجب وضع كودات هندسية للأبنية مقاومة للزلازل، فلو كانت الأبنية البعيدة عن بؤرة الزلزال مبنية وفق الكودات الهندسية لما تأثرت بهذا الزلزال، وخاصة أن مركزه وسط تركيا، وهو المكان الذي من المتوقع حدوث هزات كبيرة فيه بالمستقبل.

وبمقارنة الخسائر في موقع بؤرة الزلزال في تركيا مع الخسائر في سورية والتي تبعد مسافة كبيرة عنها، نجد أن خسائرنا أكبر نتيجة عدم وجود اشتراطات للأبنية، وهو ما يجب التخطيط له مستقبلًا حتى لا نقع في هذه الكارثة الطبيعية.