كشف حصول جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة على "الرخصة الذهبية" في 3 مشروعات في 14 ديسمبر الجاري، وهي؛ مدينة اللقاحات والبيوتكنولوجي وشركة "بي آي إل ميدل إيست أند أفريكا" لتصنيع وإنتاج الضمادات الطبية الحديثة، عن تكرار منح الجهاز وأجهزة خدمية أخرى مملوكة للقوات المسلحة على الرخصة ذاتها والتي تعني احتكار الخدمة بكافة مراحلها من المصنع للزبون.

الرخصة الواحدة
وتعني الذهبية أنها الوحيدة الممنوحة للجيش في هذا القطاع، وحصل جهاز الخدمة الوطنية للقوات المسلحة على الرخصة الذهبية لمشروع إقامة وتشغيل مصنع فصل البلازما وتنقيتها، من خلال فرض غرامة مالية تصل إلى مليوني جنيه على كل من يدير مركزا لتجميع بلازما الدم، أو مصنعا لتصنيع مشتقاتها، من دون ترخيص، أو شرع في تصدير أو استيراد بلازما الدم بالمخالفة لأحكام القانون، أو حصل على دم أو بلازما من متبرع غير لائق طبياً، ومضاعفة الغرامة في حال تكرار المخالفة، وفق قانون 8 الذي أصدره السيسي في أبريل 2021.
وأصر السيسي بجبروت الفرعون على قراره، على الرغم من إصدار دار الإفتاء المصرية فتوى بعدم جواز ذلك، وإفتاء الأزهر الشريف بتحريم بيع بلازما الدم استغلالاً لأزمة تفشي جائحة كورونا، إلا أن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي أوكل بتوجيه السيسي إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة (الجيش) ذلك بـ"الأمر المباشر".

و"جريفولز إيجيبت لمشتقات البلازما" شركة مساهمة تابعة لـ"جهاز مشروعات الخدمة الوطنية" المملوك لوزارة الدفاع المصرية، بالتعاون مع شركة "جريفولز إس إيه" الإسبانية، وأنشئت بغرض تحقيق الاكتفاء الذاتي للأدوية المشتقة من البلازما، وتعزيز التوسع الدولي لشركة "جريفولز" في الشرق الأوسط وأفريقيا، من خلال الجمع بين الخبرة التكنولوجية والموارد الخاصة لكل من المؤسستين المصرية والإسبانية.


بلا رقابة

ويرفض السيسي وعصابة العسكر منذ 2014، أن تمارس أي سلطة الرقابة الإدارية أو المالية على تصرفات الجيش وأجهزته، بما في ذلك برلمان الانقلاب.

يشار إلى أن قادة الجيش يعتبرون أن الثورة والمسار الديمقراطي يمثلان تهديدا مباشرا لهذه الإمبراطورية، وجاء ذلك التأكيد على لسان اللواء محمود نصر، مساعد وزير الدفاع للشؤون المالية، في  مؤتمر صحفي عقد يوم 27 مارس 2012م، عن هذه المخاوف مشددا بعبارات تهديد: "أموال الجيش ليست من أموال الدولة ولن نسمح للدولة بالتدخل فيها؛ لأنها ستخربها وسنقاتل دفاعاً عن مشروعاتنا، وهذه معركة لن نتركها، والعرق الذي ظللنا 30 سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح لغيرنا أياً كان بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة".
 

وحاول الجهاز المركزي للمحاسبات تفعيل هذا الدور قبل عدة أعوام، رفضت هيئة الشؤون المالية التابعة لوزير الدفاع السماح لموظفي الجهاز بـ"الاطلاع على أي مستندات تخص مشروعات أجهزة الجيش"، بظل ما كشفه المستشا هشام جنيه من أن فساد عام واحد في 2014 من المخابرات -فقط دون بقية الأجهزة ودون وزارتي الدفاع والداخلية- كان حجمه 600 مليار جنيها!


الجيش يهيمن

وأمام تباين تقدير نسبة هيمنة الجيش على الاقتصاد، قدرها مصطفى مدبولي بـ(1%) فقط، ثم ارتفع بها السيسي  إلى (3%)، لكن جهات أخرى تصل بهذه النسبة إلى نحو 60% من نسبة الاقتصاد ومنها معهد كارنيجي والبنك الدولي؛ استنادا إلى أن الجيش ومنذ اتفاق كامب ديفيد سنة 1979م، كون إمبراطورية اقتصادية مترامية الأطراف.
 

وقالت صحيفة فايننشال تايمز Financial Times إن هناك 60 شركة تابعة للجيش تعمل في 19 صناعة، من إجمالي 24 مدرجة على جدول تصنيف الصناعات، وفق تقديرات البنك الدولي.

وفي تقرير حقوقي لـ3 منظمات بينهم منظمة دولية، أشار إلى سيطرة جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للمؤسسة العسكرية على 32 شركة، تم إنشاء ثلثها بعد عام 2015،  ويملك الجيش 51% من أصول شركة تتولى تطوير العاصمة الإدارية الجديدة التي تقع على بعد 60 كيلومترا شرقي القاهرة، وتقدر استثماراتها بنحو 45 مليار دولار.

وفي 29 نوفمبر 2020 بعثت منظمة “هيومن رايتس ووتش” (Human Rights Watch) و”مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان” و”مبادرة الحرية”؛ برسالة إلى المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي، داعية إياه إلى أن يطلب من الحكومة المصرية الكشف عن المعلومات المالية حول الشركات المملوكة للجيش كجزء من التقارير المطلوبة عن الشركات التي تملكها الدولة.


الرخصة الذهبية

ووفق ذلك بات جهاز الخدمة الوطنية التابعة للقوات المسلحة يدير أغلب القطاعات المدنية، فأبرز مجالات مشروعاتها منذ الانقلاب هي؛ الصحة والإسكان والنقل والري والكهرباء.

ويصل "مثوبة" هذا الاستحواذ، إلى من بدأه، فالرئيس الأسبق أنور السادات من أجل إقناع الجيش باتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني بدعوى التسوية السلمية للصراع، أصدر سنة 1977 قرارا جمهوريا منح بمقتضاه حق امتياز إدارة جميع الأراضي غير الزراعية وغير المستثمرة للجيش، وهو القرار الذي جعل المؤسسة العسكرية أكبر قيِّم على الأراضي المصرية، وذكرت تقديرات أنها تصل إلى 87% من مساحة البلاد. بينما يقدرها آخرون بأكثر من ذلك.

واستفاضت تقارير تشرح أن انقلاب 03 يوليو -في بعض أسبابه- جاء مدفوعا لحماية اقتصاد الجيش وسرية موازنة الجيش التي تكتب رقما واحدا في الموازنة العامة للدولة دون أي مراقبة من أي جهة،  أو بالنسبة لشركات الجيش ومشروعاته والتي تقدر بين (40 إلى 60%) من جملة الاقتصاد المصري، وهي المشروعات التي تجاوزت حدود الاقتصاد الموجه لخدمة وحدات الجيش في أوقات السلم والحرب والتي لا اعتراض عليها مطلقا ما دامت تعزز من قدرة المؤسسة العسكرية على توفير احتياجاتها، إلى احتكار كل مفاصل الاقتصادي المدني المصري، وامتدت بنفوذها إلى السيطرة المطلقة على معظم  أوجه النشاط التجاري والاقتصادي.