د.فتحي أبو الورد :

من القضايا الأسرية والاجتماعية التى اعتنى بها الفقهاء من قديم ، ما تداولوه تحت عنوان الكفاءة بين الزوجين عند شروع كل منهما فى الزواج ، والتى تعنى المماثلة والمساواة ، بحيث يكون كل منهما كفئا للآخر .
فمنهم من لم يعتبرها شرطا وأسقطها من حسابات الزواج كابن حزم الظاهرى وقال : أى مسلم  له الحق فى أن يتزوج أية مسلمة ، لاعتبار أن أهل الإسلام كلهم إخوة .
ومن الفقهاء من اشترط الكفاءة ، ولكنهم جعلوا معيارها الاستقامة والخلق ، واعتبروا الدين وحده هو أساس الكفاءة ، وهم المالكية .
واشترط جمهور الفقهاء الكفاءة بين الزوجين ، ولكنهم زادوا على شرط الدين الذى اشترطه المالكية فى معيار الكفاءة ، فاعتبروا النسب والحرفة وإسلام الأصول – أى الآباء والأمهات – لكل من الزوجين ، والمال ، والسلامة من العيوب ، كالعمى وتشوه الخلقة ، والجذام ن والبرص ، والجنون.
وتخفف الحنابلة من شرط السلامة من العيوب فلم يعتبروه شرطا ، ولكنهم فى الوقت ذاته أثبتوا ما يسمى بالخيار للمرأة دون الأولياء ، لأن ضرر ذلك مختص بها .
وتحدث الفقهاء فى موضوع الحرفة باعتباره أحد معايير الكفاءة بين الزوجين ، فقالوا : إذا كانت المرأة من أسرة تمارس حرفة شريفة ، فلا يكون صاحب الحرفة الدنيئة كفئا لها .
وقالوا : إن المعتبر فى شرف الحرف ودناءتها العرف ، فقد تكون حرفة ما شريفة فى مكان ما أو زمان ما ، بينما هى دنيئة فى مكان ما أو زمان ما .
والحق أن التقارب بين الزوجين – بعد اشتراط الدين والخلق -  فى المستوى الاجتماعى والتعليمى والمادى أدعى لاستقرار الحياة الزوجية فيما بينهما واستمرارها ، وأرعى للتقدير والاحترام المتبادل بينهما ، خاصة قى أوقات الاختلاف والغضب والضيق ، والتى لا تخلو حياة زوجية من وجودها .
لكن يظل اشتراط الرضا بين الطرفين وهو ما يعبر عنه بالإيجاب والقبول هو الفيصل فى كل ما سبق اشتراطه عند الفقهاء ، كما أن توفر الإرادة الحرة الناضجة ، والرغبة الصادقة الواعية لدى كل من الطرفين لإتمام الزواج ،  يكفى ذلك للرد على كل ما اشترطه الفقهاء ، لأن الزواج اليوم يتم عن وعى وعلم ورؤية ومعرفة كل طرف بالآخر – ولو إجمالا - على الأقل فى فترة الخطبة .
وما دام كل طرف رضى بالآخر أن يكون زوجا فى ظل مباركة أسرية ، فلا معنى للشروط ، وتسقط كل هذه الشروط عند أعتاب الرضا والقبول .
فمن اشترط الحرفة أو المال أوالتعليم  فى الكفاءة ثم رضيت الزوجة بمن هو دونها أو دون أهلها حرفة أو مالا أو تعليما فلن تمنع  شروط الفقهاء إتمام هذا الزواج .
ومن أسقط شرط السلامة من العيوب فى الكفاءة وأثبت للمرأة الخيار فقد رد المسألة إلى أصلها وهو رضا الزوجة وقبولها .
ومن اشترط الكفاءة فى الرجل دون المرأة ، فلن يغنى ذلك شيئا إذا اشترط الرجل فيمن يرغب فى الاقتران بها أن تكون مماثلة لحالته تعليما ومالا وعائلة ومستوى اجتماعيا .
وكأن تنوع آراء  الفقهاء حيال مسألة الكفاءة بين الزوجين ما بين مسقط لها أو مشترط لها ، فمضيق فى الشروط أو موسع ، تعكس تنوع أنماط البشر وطرائقهم فى التفكير ، وكذا تعكس نظرتهم إلى قضية الزواج التى هى آية من آيات الله الكبرى فى هذا الكون .