تسبب التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل في موجة خروج استثمارات أجنبية من سوق أدوات الدين الحكومية بقيمة بلغت نحو 1.5 مليار دولار خلال أربعة أيام فقط، بحسب ما كشفه مصدر مطلع في وزارة المالية، في ضربة جديدة للاقتصاد المصري.
القلق المتصاعد من احتمال توسّع رقعة الحرب في المنطقة، وما تحمله من تهديدات مباشرة لاستقرار أسواق المال والطاقة، انعكس سريعًا على مؤشرات الاقتصاد المصري.
فقد قفز سعر صرف الدولار أمام الجنيه بأكثر من 85 قرشًا خلال يوم واحد فقط، إذ سجّل الدولار في البنك الأهلي المصري 50.68 جنيهًا مقارنة بـ49.82 جنيهًا يوم الخميس السابق، قبل أن يتراجع جزئيًا إلى 50.28 جنيهًا.
هروب الأموال الساخنة
وأوضح المصدر أن المستثمرين الأجانب، الذين يعتمد عليهم الاقتصاد المصري لتوفير العملة الأجنبية عبر ما يُعرف بـ"الأموال الساخنة"، سارعوا إلى سحب استثماراتهم من أدوات الدين الحكومية تحسبًا لمزيد من التوتر الإقليمي قد يؤثر على قدرة الحكومة على الوفاء بالتزاماتها المالية.
وأشار إلى أن "الاستقرار النسبي الذي شهدته المنطقة في الأشهر الماضية أعاد جزءًا من ثقة المستثمرين، لكن الحرب الحالية أربكت حسابات الحكومة وجعلت بيئة الاستثمار أكثر هشاشة".
بورصة تتهاوى.. ثم تتماسك
على الجانب الآخر، تكبّد مؤشر البورصة الرئيسي خسائر فادحة بلغت 7.6% في بداية جلسة الأحد الماضي، مدفوعًا بموجة بيع قوية من المستثمرين الأجانب، قبل أن يعوّض السوق جزءًا من خسائره ويغلق على انخفاض بنسبة 4.6%.
ويقول محللون ماليون إن البورصة المصرية عادة ما تكون من أوائل القطاعات التي تتأثر بالأزمات الجيوسياسية الإقليمية، لا سيما في ظل اعتمادها على رؤوس أموال أجنبية قصيرة الأجل.
شبح أزمة طاقة جديدة
إلى جانب الهزات المالية، بدأت ملامح أزمة طاقة جديدة تلوح في الأفق مع تراجع مفاجئ في واردات الغاز الطبيعي الإسرائيلي إلى مصر، على خلفية القصف المتبادل بين الطرفين.
وبحسب مصدر في وزارة البترول، ظهرت فجوة بين المعروض والطلب على الغاز تُقدّر بما بين مليار و1.2 مليار قدم مكعب يوميًا، مما ينذر بتأثيرات مباشرة على الأداء التشغيلي لقطاعات الصناعة والكهرباء والأسمدة.
تأجيل افتتاح المتحف.. وإشارات الخطر
وفي دلالة رمزية على حجم التوترات، قررت الحكومة تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير الذي كان مقررًا في الثالث من يوليو المقبل إلى موعد لاحق في الربع الأخير من العام، مبررة القرار بـ"تطورات الأحداث الإقليمية".
هذا القرار، وإن بدا ثقافيًا في مظهره، يعكس مخاوف سياسية واقتصادية دفعت الدولة لتأجيل مشروع يُنظر إليه باعتباره حجر زاوية في استراتيجية تنشيط السياحة المصرية.
مستقبل غامض
تترك الحرب الإسرائيلية الإيرانية آثارًا متسارعة ومباشرة على الاقتصاد المصري الذي يعاني أصلًا من تحديات هيكلية، بينها أزمة ديون خارجية متصاعدة، وركود في الاستثمار، وتباطؤ في القطاعات الإنتاجية.
وتكمن الخطورة في أن التصعيد الإقليمي قد يُطيل أمد أزمة الثقة لدى المستثمرين، ما يؤدي إلى مزيد من خروج الأموال الساخنة، وتدهور قيمة الجنيه، وارتفاع في كلفة تمويل الدين العام.
في ظل هذا المشهد المضطرب، يبقى الاقتصاد المصري واقفًا على حافة اضطراب أوسع، تُغذيه السياسة، ويُعمّقه غموض المستقبل في منطقة تعيش واحدة من أشد لحظاتها اشتعالًا منذ عقود.