بعد سنوات من الفساد، والتصرّف كأن المصريين عبيدا عند العسكر، وفي ظل خطابات شعبوية كأن شعبٌ مصر ومؤسساته أصبحوا تحت وصاية عسكرية في واقعٌ مرير جداً، يتجلّى في انحطاط الوضع الاقتصادي المصري الذي أثر على الجميع من أغنياء وفقراء وطبقة متوسطة، فالجميع أخذ نصيبه من المعاناة في ظل حكم السيسي، الذي أضر بالجميع.
حتى العسكر تحت المقصلة
في مسلسل متواصل من التشديد الإعلامي في مصر، المفروض على وسائل الإعلام المطبوعة والمهددة دوماً بالإغلاق ومنع الطباعة، أو المرئية التي لم يعد يطل على شاشتها سوى مذيعين يقولون ما تريده الدولة، اكتملت حلقة جديدة بإصدار الأمر للقادة العسكريين، السابقين منهم والحاليين، بمراجعة الجيش قبل إطلاق أي تصريح، حتى إن كان حديثهم مع الدولة وفي تأييدها.
ويمثل الآن ظهورهم إعلامياً بلا إذن من الجهات المعنية مخالفة تستوجب العقاب، إذ عممت «إدارة الشؤون المعنوية» في القوات المسلحة قراراً بألا تُنشر تصريحات لعسكريين في لقاءات إعلامية من دون مراجعتها، وليس ذلك من أجل وقف الانتقادات التي توجه إلى بعض العسكريين على خلفية تصريحات مستفزة تسبب حالة من الجدل، بل للرغبة في السيطرة على المشهد الإعلامي أكثر من أي وقت مضى.
شركاء الانقلاب
وبات السجن والتشريد والنفي خارج البلاد والتشويه والتهميش مصير العديد ممن دعوا لمظاهرات 30 يونيو، ليكون لسان حال الجميع "أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض".
قادة جبهة الإنقاذ الذين كانوا يأملون في احتلال صدارة المشهد السياسي بعد الانقلاب، فتم إقصاؤهم، واعتزل الكثير من قيادات الجبهة السياسة أو اختاروا السكوت الطوعي أو تملق السلطة أحيانا.
الإعلاميين
شهدت خريطة الإعلام المصرية تغيرات وتقلبات خلال الأعوام الماضية، إذ بلغت معدلات ديناميكية الحركة فيها، صعودًا وهبوطًا، قياسات غير تقليدية وصلت إلى قفزات غير متوقعة فشل خبراء المجال في تفسير الكثير منها.
جملة من التغيرات فرضت نفسها على الساحة خلال الفترة الماضية، وقف برامج وفتح أخرى جديدة، منع ظهور إعلاميين وحبس آخرين، غلق قنوات ودمج بعضها، حتى وصل الأمر إلى تدشين مجلس لـ”تأميم” هذه المنظومة برمتها، يكون يد السلطة لتقليم أظافر المغردين خارج السرب حتى إن كانوا أبناء السلطة.
الفنانين
منذ أشهر تفاجأ محبو المغني إيمان البحر درويش، بصورة له نشرتها ابنته، يبدو فيها بحالة صحية سيئة للغاية ويظهر فيها فاقدا لشعره وجزءا كبيرا من وزنه بعد سنتين تقريبا من آخر ظهور له، مما أثار الكثير من التساؤلات.
ونشرت أمنية البحر درويش صورة لوالدها على حسابها على فيسبوك، وكتبت معلقة عليها بأنه "سيذكر التاريخ إن ده بقى إيمان البحر درويش".
وأثارت الصورة صدمة كبيرة وتساؤلات عدة. فبينما ذكرت وسائل إعلام أن المغني المعروف مريض ويتواجد بقسم العناية المركزة في أحد المستشفيات، لمح آخرون على مواقع التواصل الاجتماعي بأن درويش كان "محبوسا" بعد انتقاده نظام عبد الفتاح السيسي.
الأطباء
تجدّد الجدل حول هجرة أعداد كبيرة من الأطباء المصريين للخارج، بسبب انخفاض الأجور مقارنة بدول خليجية وأوروبية، والبحث عن بيئة آمنة للتدريب والتعليم، وفق تصريحات تلفزيونية لنقيب الأطباء.
وتضاعفت أعداد الأطباء المتقدمين باستقالتهم للنقابة بمقدار 4 مرات، من 1044 استقالة في عام 2016 إلى 4127 استقالة بعام 2021. وزاد عدد الاستقالات إلى 4261 استقالة خلال عام 2022 بمعدل يومي 12 طبيبًا وطبيبة - وفق بيانات سابقة لنقابة الأطباء - واستمرت الزيادة لتصل إلى 7 آلاف استقالة عام 2023، بحسب تصريحات تلفزيونية لنقيب الأطباء أسامة عبد الحي.
استهداف المنافسين
يملك نظام السيسي نظاما متعددا لإبعاد المعارضة السياسية، هذا النظام يشمل التضييق الشديد على المعارضين من خلال الاعتقال لاستبعاد أي منافسة محتملة".
يرصد تقرير عن منظمة فريدوم هاوس أبرز التقنيات التي تستخدم للتلاعب بالعملية الانتخابية، ومنها ترتيب ظهور المرشحين على أوراق الترشح، تغيير القواعد الحاكمة للترشح، استخدام الإعلام للهجوم على المنافسين، وأخيرا الملاحقة القانونية.
في الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية عام 2023، برز عضو مجلس النواب المصري السابق أحمد الطنطاوي كونه المنافس الأبرز للسيسي.
انسحب الطنطاوي من المنافسة بعدما فشل في جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لترشحه وتوثيقها في مكاتب الشهر العقاري الحكومية، بعد اتهامه للحكومة بوضع عقبات أمام أنصاره تمنعهم من توثيق توكيلات له.
والآن ينفذ حكما بالسجن مع الحرمان من الترشح للانتخابات النيابية لمدة 5 سنوات بعد اعتبار المحكمة طلبه لجمع توكيلات شعبية غير موثقة "غير قانوني"، وكانت تهمته "طبع وتداول أوراق العملية الانتخابية دون إذن من السلطة المختصة".
"هذه القضية عقاب لأحمد الطنطاوي، فهي قضية سياسية هدفها فرض الصمت بقوة القانون،" هكذا يرى خالد علي محامي الدفاع عن أحمد الطنطاوي.
بل ووصف أستاذ علم الاجتماع السياسي والمعارض عمارعلي حسن الحكم بأنه "استمرار لغلق المجال العام، ومنع الفرص والحقوق الطبيعية التي يكفلها الدستور والقانون، ورفض أي قواعد عادلة ليس لمنافسة مطلوبة ومرغوبة شعبيا، بل لمجرد تمثيل الناس والتعبير عنهم".
واجه مرشحون سابقون للرئاسة مصائر شبيهة بمصير الطنطاوي، وعلى رأسهم المرشحان المحتملان السابقان سامي عنان وأحمد شفيق ووكيل حملة عنان والرئيس السابق للجهاز المركزي للمحاسبات هشام جنينة.
قضى رئيس أركان الجيش المصري الفريق سامي عنان عامين في السجن بعد أيام قليلة من إعلان ترشحه لانتخابات الرئاسة عام 2018، وتوقفت حملته الانتخابية.
حُكم على جنينة بالسجن 5 سنوات بعد تصريحات قال فيها إن رئيس أركان الجيش السابق يملك وثائق تدين قيادات بالدولة فيما يتعلق بأحداث تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011.
كذلك أعلن رئيس الوزراء السابق الفريق أحمد شفيق منعه من العودة إلى مصر بواسطة السلطات الإماراتية في 2017، بعد أيام قليلة من إعلانه الترشح أمام السيسي في الجولة الانتخابية ذاتها، عام 2018.
ثم انسحب شفيق من السباق الانتخابي بعد عودة شابها الغموض لمصر بأيام لأنه رأى "أنه لن يكون الشخص الأمثل لقيادة الدولة خلال الفترة القادمة" كما جاء بيان عبر صحفته على تويتر
استهداف وترهيب الحقوقيين خارج مصر
كانت منظمتا «المنبر المصري لحقوق الإنسان» و«الجبهة المصرية لحقوق الإنسان» قد أصدرتا تقريرا قالتا فيه إن السلطات المصرية تواصل استهداف وترهيب المدافعين عن حقوق الإنسان خارج البلاد، بهدف إسكاتهم وإنهاء أنشطتهم المشروعة.
وتناول التقرير الذي حمل عنوان «القمع العابر للحدود» أنماط استهداف الناشطين الحقوقيين في الخارج، التي تشمل إصدار أحكام غيابية بالسجن أو التحقيق وتوجيه اتهامات ضد بعضهم في قضايا ذات طابع سياسي وتتعلق بالممارسة السلمية في الحق في حرية الرأي والتعبير، والحرمان التعسفي من الحصول على الخدمات القنصلية عبر منع إصدار بطاقات الرقم القومي، وشهادات ميلاد لهم ولأبنائهم، وإصدار وتجديد جوازات السفر المصرية.
وحسب التقرير، تضمنت أنماط الاستهداف تجميد وضعية بعض الحقوقيين البارزين في السجل المدني داخل البلاد لحرمانهم من الحصول على وثائقهم الثبوتية، وضع بعض المدافعين عن حقوق الإنسان المقيمين خارج مصر على قوائم الإرهاب، وترويع أفراد من أسر الحقوقيين المقيمين داخل مصر، وتعقب ومراقبة أنشطة الحقوقيين في دول إقامتهم، وتعرض ناشطين ومنظماتهم للاستهداف الرقمي من خلال برامج المراقبة والتجسس.
تهجير وتشريد
كانت أكبر قرارات التهجير، كان في سيناء حيث بدأت سلطات الجيش في إخلاء 4500 أسرة من محيط مطار العريش، وبدأت عمليات إزالات الجيش لمساكن العريش وتهجير سكانها.
ومنذ 2013 أزال الجيش ما يقارب الـ12,350 مبنى، معظمها منازل وجرف الجيش وأفسد ومنع الوصول إلى ما لا يقل عن 6 آلاف هكتار بنحو 14,300 فدان من الأراضي الزراعية، معظمها منذ منتصف 2016، وفق ما أكدته "هيومن رايتس ووتش".
أسر نزلة السمان
وقال مراقبون، إن "معدل الإزالات السريع كان في نزلة السمان، حيث نقل 800 أسرة من بدء الإزالات، ووفق مخطط محافظة الجيزة، فإن إجمالي المستهدف في إزالة نزلة ا**ل**سمان، نقل 4800 أسرة".
الإزالات في المنطقة استمرت دون حوار مع الأهالي، وطالت منازل أخرى، حسب تقارير للمركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
وفوجئ الأهالي في نهاية أغسطس الماضي بلجنة من محافظة الجيزة، وحي الهرم، تطالب الأهالي دون سند من القانون بأخذ منازلهم، وتسكينهم في منطقة حدائق أكتوبر بعقود انتفاع.
جزيرة الوراق
تصاعدت الإدانات للاشتباكات التي شهدتها جزيرة الوراق النيلية بين الشرطة والأهالي، والتي أسفرت عن إصابة العشرات.
وأدانت “الحركة المدنية الديمقراطية”، التي تضم عددًا من أحزاب المعارضة والشخصيات العامة، ما يتعرض له أهالي جزيرة الوراق من ممارسات قمعية وانتهاكات ممنهجة تستهدف تهجيرهم قسرًا من أراضيهم ومنازلهم التي عاشوا فيها لأجيال، وصنعوا فيها تاريخًا من الاستقرار.
وقالت الحركة، في بيان، إن ما يحدث من اقتحامات أمنية واعتقالات واستخدام مفرط للقوة ضد مواطنين عُزَّل، يُعدّ تعديًا صارخًا على حقوق دستورية وإنسانية، وقمعًا أمنيًا غاشمًا يستهدف اقتلاع الناس من بيوتهم وأراضيهم لصالح مشروعات استثمارية لا تعترف بوجود المواطنين.
وأضافت أن ما يحدث في الوراق ليس نزاعًا حول تخطيط عمراني، بل جريمة متكاملة الأركان، ويكشف عن استمرار نهج الدولة في إدارة ملفات السكن والتخطيط العمراني بمنطق القوة، لا الحوار والمشاركة والعدالة.
وأكدت الحركة أن احترام الحق في السكن الآمن، ورفض التهجير القسري، وضمان مشاركة الأهالي في أي مشروعات تطوير تخص حياتهم، هو واجب دستوري وإنساني وسياسي. كما شددت على أن التعامل مع المواطنين باعتبارهم عقبة أمام “المشروعات القومية” يُعدّ انحرافًا عن مفهوم التنمية الحقيقي، الذي يجب أن يُبنى من أجل الإنسان، لا على حسابه.
وقالت الحركة، في بيان، إن ما يحدث من اقتحامات أمنية واعتقالات واستخدام مفرط للقوة ضد مواطنين عُزَّل، يُعدّ تعديًا صارخًا على حقوق دستورية وإنسانية، وقمعًا أمنيًا غاشمًا يستهدف اقتلاع الناس من بيوتهم وأراضيهم لصالح مشروعات استثمارية لا تعترف بوجود المواطنين.
وامتد التهجير من الوراق إلى نزلة السمان إلى مطروح ورأس الحكمة وصولا إلى طريق الساحل الشمالي، ولا يتوقف التدمير والانتهاكات الحكومية لأمان وخصوصية المصريين لعموم البلاد وعرضها؛ وهو الأمر الذي بات يهدد كل مناحي الحياة.