رحل عن عالمنا الليلة الماضية رجل الأعمال صلاح عطية، مؤسس جامعة الأزهر بقرية "تفهنا الأشراف" التابعة لمحافظة الدقهلية، عن عمر يناهز الـ 70 عاما، تاركا وراءه مسيرة من الأعمال الخيرية ساهمت بشكل كبير فى القضاء على الجهل والفقر و البطالة.

بدأت قصة "صلاح عطية" في قرية فقيرة تسمى "تفهنا الأشراف" كانت مصدرًا لعمال التراحيل في جميع القرى المجاورة، اجتمع عدد من أبناء هذه القرية عام 1982 لوضع حد لعلاج مشكلة الفقر والبطالة، فقاموا بحصر أصحاب الأملاك من الأغنياء، وركزوا على أهمية جمع الزكاة كخطوة أولى لمعالجة الفقر.
 
وبحسب رواية حكاها "عطية" قائلا :" كانت بداية التحول بالقرية باتفاق تسعة من الشباب - كنت أحدهم -  الذين تعارفوا خلال فترة التجنيد بالجيش، على إنشاء مزرعة للدواجن بعد انتهاء فترة تجنيدهم تكلفت ألفي جنيه، ونظرًا لتواضع أحوالهم المادية فقد باع بعضهم مصاغ زوجته؛ ليستطيع الوفاء بنصيبه في الشركة‏، وخلال كتابة عقد الشركة قرروا تخصيص نسبة ‏10%‏ من الربح لإنفاقها في وجوه الخير‏ وسموه "سهم الله الأعظم".
 
وأضاف: "وعندما وجدوا حصيلة الربح كبيرة جدًّا وأكثر مما كنا نتوقع قررنا زيادة نسبة "سهم الله الأعظم" إلى ‏20%‏ من الربح في الدورة التالية وتكرر النتاج الكبير في الدورات التالية فزادت نسبة السهم حتى أصبحت 100% في إجمالي عشر مزارع".‏
 
بمرور الوقت زاد عدد المزارع وتم إنشاء مصنع للأعلاف وآخر للمركزات ومصنع لعلف الماشية مع الاتجار في الحاصلات الزراعية وتصدير الموالح والبطاطس والبصل لعدة بلدان خارج مصر، وأصبح النشاط التجاري من الأنشطة الرئيسية بتفهنا الأشراف، وأقام الشباب الـ 9، مزارع أخرى في التل الكبير حتى أصبح حجم الاستثمارات بالملايين.
 
في 6 يناير 1984 اجتمع المهندسان صلاح عطية وصلاح خضر، مع عمدة القرية، واتفقوا على فكرة إنشاء مركز إسلامي متكامل بالبلدة، ومع التوسعات التى شهدتها مشروعات القرية كان الريع المخصص للعمل الخيري قد اتجه لإقامة حضانة لتحفيظ الأطفال القرآن الكريم بالمجان، مع نقلهم من القرى المجاورة والتكفل بزي الحضانة، ثم بناء معاهد أزهرية بكافة المراحلة التعليمية للبنين والبنات.
 
بدأ التفكير في إنشاء كلية جامعية للشريعة والقانون. تلاها كلية للتجارة بنات ثم كلية لأصول الدين ثم كلية رابعة للتربية. ثم مدينتين جامعيتين للطلاب والطالبات المغتربين والمغتربات، وساهم أهالي القرية بالتبرع في إقامة تلك المنشآت حسب استطاعتهم، بداية من المشاركة في أعمال البناء إلى التبرع بالمال حسب الاستطاعة.
 
وتسبب وجود أربع كليات جامعية بالقرية في حدوث رواج تجاري، وحركة نشيطة للنقل والمواصلات. كما قامت غالبية البيوت ببناء حجرات إضافية لتأجيرها للطلاب.. والنتيجة أنه لم يعد بالقرية عاطل ولا فقير.
 
وساهمت "لجنة المصالحات" التابعة للمركز الإسلامي الذي يرأس إدارته المهندس صلاح عطية، في حل الخلافات المتنوعة داخل القرية، وكانت نتيجة ذلك أنه لم تصل مشكلة واحدة من القرية إلى مركز شرطة ميت غمر طوال الأعوام العشرين الماضية، لدرجة أنه كان بالقرية قبل نجاح التجربة اثنان من المحامين فقام أحدهما بغلق مكتبه وقام الآخر بتحويل نشاطه إلى مأذون شرعي.
 
ومما يذكر لصلاح عطية أنه أسس المئات من المعاهد الأزهرية بقرى محافظات مصر، حيث كان عطية مقصدا لكثير من الساعين لتأسيس وبناء المعاهد الأزهرية في قراهم ومراكزهم.. وكان عطية يعتمد استراتيجية البدء ليكون قدوة للناس ويأتي بعد ذلك حث الناس واستنهاض هممهم للمشاركة.
 
كان كل من يقصد صلاح عطية للمساهمة في بناء معهد أزهري يعود لبلده فيعد سرادقا ضخما يدعى إليه كل أهل البلد ويدعى إليه الكبار والأعيان من القرى المجاورة، وأعضاء مجلس الشعب عن الدائرة، وفي الموعد المحدد يأتي المهندس صلاح عطية بصحبة مذيع من إذاعة القرآن الكريم أو الإذاعة المصرية (كان أشهر من يصاحبه في رحلاته حلمي البلك) ومعهما قارئ إذاعي ومبتهل، ويكون اللقاء عبارة عن أمسية دينية متميزة، يتخللها كلمة قوية من أشهر خطباء المنطقة وأكثرهم تأثيرا.
 
بعد ذلك يعلن عطية تبرعه بمبلغ كبير من المال، ثم يحث الناس على التبرع، ويشترط أنه إن تبرع أحد بمبلغ مثل الذي تبرع به هو فسيزيد المبلغ إلى الضعف، وقد كان لذلك أثر كبير في الناس، حتى إنه لم يدخل قرية إلا أتم الله فيها بناء معهد أزهري.
 
ومما عجل الله به لصلاح عطية من بشريات المؤمن (ونحسبه كذلك) أن جعل الله له في قلوب الناس مكانة كبيرة، وأن سخره لكفالة الآلاف من الأيتام.
 


جانب من جنازة صلاح عطية