نافذة مصر - الحرية والعدالة


كشف د. عصام عبد الشافي -أستاذ العلوم السياسية- أن موقف الانقلاب العسكري في مصر وقادته من أزمة غزة مرتبط بالعديد من الاعتبارات، لعل في مقدمتها:أولًا: تغير العقيدة الاستراتيجية لقادة الانقلاب من اعتبار إسرائيل العدو الإستراتيجي إلى اعتبار حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" هي العدو الإستراتيجي وصدور أحكام عن قضاء الانقلاب باعتبارها جماعة إرهابية، وغلق مقارها ومصادرة ممتلكاتها في مصر، وفرض سلطات الانقلاب حصارا مشددًا على قطاع غزة سواء من خلال إغلاق المعبر الحدودي المشترك، وكذلك تدمير مئات الأنفاق التي تربط مصر بالقطاع، والتي ظهرت في فترات سابقة بتنسيق مع هذا الجيش.

وأضاف في تصريح خاص لـ"الحرية والعدالة" ثانيًا: التنسيق الأمني الواسع بين قادة الانقلاب والمؤسسة العسكرية المصرية من ناحية والكيان الإسرائيلي من ناحية ثانية، في شبه جزيرة سيناء ودور إسرائيل في تمرير صفقة طائرات الأباتشي الأمريكية. ثالثًا: الدور الإسرائيلي الداعم للانقلاب العسكري سياسيًا منها مطالبة الولايات المتحدة والدول الأوربية وعدد من الدول الإفريقية بتخفيف الضغوط على سلطة الانقلاب)، وإعلاميًا بحشد وسائل الإعلام الإسرائيلية خلف الترويج للانقلاب واقتصاديا، بمطالبة الولايات المتحدة بتسهيل حصول قادة الانقلاب على المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقررة لمصر، وكذلك تفاوض الكيان الإسرائيلي مع مصر حول الغاز الطبيعي.

وتابع: رابعًا: وجود آلة إعلامية فاسدة داخل مصر تتبنى سياسة ممنهجة لتشويه صورة حماس في الداخل المصري، والربط بينها وبين جماعة الإخوان المسلمين، كمبرر لاعتبارها عدوا يجب القضاء عليه، في ظل المواجهة القمعية والشرسة لكل المنتمين للإخوان المسلمين في مصر.
وأكد "عبد الشافي" أنه وأمام هذه الاعتبارات وغير فإن المحصلة النهائية هي أن قائد الانقلاب العسكري في مصر لا يمكنه الضغط على إسرائيل، لأنه لا يملك أوراقًا للضغط عليها، بل على العكس من ذلك إسرائيل هي التي تملك العديد من الأدوات للضغط عليه، وإذا طالب السيسي إسرائيل بوقف عدوانها في غزة، واستجابت إسرائيل فإن هذا سيكون من باب إكساب "السيسي" مزيدا من الدعم السياسي الداخلي والخارجي وإكسابه مزيدًا من الشرعية التي يفتقد إليها بعد الانقلاب العسكري الذي قام به في الثالث من يوليو 2013.

هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية بحسب "عبد الشافي" لا توجد علاقة بين الجدية في وقف العدوان على غزة وفتح معبر رفح لاستقبال الحالات الإنسانية وعلاج المصابين والسماح للقوافل الطبية والإنسانية بالوصول إلى غزة، لأن هذا الأمر تحكمه اتفاقيات دولية بالأساس ويرتبط بطبيعة العلاقات الدولية وموقف مصر من المنظمات الدولية وغيرها من حقوق خاصة باللاجئين والجوار الجغرافي، كما أنه لن يسعى لإبراز مواقف أكثر سوءًا تجاه الحالات الإنسانية والطبية، بما يمكن أن ينعكس سلبًا مستقبلاً على الأمن القومي المصري والدور الإقليمي لمصر، وموقعها في جامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وإن كان يرى أن هذه كلها أمور ليس من شأنها تغيير الصورة الذهنية للانقلاب العسكري ومواقفه السلبية من حركة "حماس"، وعلاقاته الإستراتيجية مع إسرائيل أحد أهم الداعمين لهذا الانقلاب.

أما فيما يتعلق بالمبادرة التي طرحتها سلطات الانقلاب لتسوية الوضع في غزة فيرى "أستاذ العلوم السياسية أن التعامل معها يمكن أن يأخذ عدة مستويات أساسية، هي: أولًا: المصداقية: ويرتبط هذا المستوى بابتداء بمدى تمتع الطرف المصري بالمصداقية في الوساطة، كيف يمكن لسلطة الانقلاب أن تكون وسيطا بين طرفين تعتبر أحدهما "حركة المقاومة الإسلامية" "إرهابيا" وتُصدر بحقه أحكامًا قضائية وتُلاحق قياداته وتُصادر ممتلكاته وتفرض عليه حصارا بريًا شاملًا، وتقوم بتدمير شرايين الحياة التي تربطه بالعالم الخارجي، ثم تفرض عليه مبادرة غير عادلة.

ومن حيث التوقيت نبه "عبد الشافي" إلى أن المبادرة جاءت بعد مرور نحو ثمانية أيام من بدء العدوان الإسرائيلي على غزة، سقط خلالها أكثر من مائتي شهيد ومئات المصابين وآلاف المشردين وتدمير للبنية التحتية، ومع عجز إسرائيل عن تحقيق أهدافها واتساع نطاق المواجهة، وإبداع حركة المقاومة الإسلامية حماس في المواجهة، كان طرح المبادرة.

ومن حيث "الهدف": من خلال رصد وتحليل مجمل مواقف سلطة الانقلاب من "حماس" يمكن القول إن الهدف الرئيس من هذه المبادرة هو إعطاء شرعية لإسرائيل في عدوانها على غزة، من خلال طرح مبادرة غير موضوعية غير عادلة تشارك إسرائيل في وضعها، تقوم برفضها حماس، فيتم إظهارها بمظهر الرافض للتهدئة، وبالتالي التوسع في اتهامها بالإرهاب.

مضيفا رابعًا: المضمون: المبادرة التي تضمنت أربعة بنود، ساوت في القدرات بين طرفي الصراع، وتخلت عن الحق الثابت للفلسطينيين في مواجهة العدو المحتل، كما تخلت عن الدور التاريخي لمصر في القضية الفلسطينية، باعتبارها، أو بما يجب أن تكون عليه كمدافع عن الحقوق الفلسطينية. خامسًا: التأثير: ففي ظل الاعتبارات السابقة يمكن القول إن المبادرة حملت شهادة وفاتها بمجرد الإعلان عنها، وهو ما ظهر جليًا في رفض الفصائل الفلسطينية لها، وقبولها التهدئة الجزئية استنادًا لمبادرة أممية، وهو ما يعني تراجع الدور الإقليمي لمصر في تسوية أهم قضايا المنطقة، وتحول مصر إلى شريك في العدوان على غزة.