بقلم : مجدي مغيرة
منذ انقلاب 23يوليو 1952م وحتى انقلاب 3 يوليو 2013م نجد نغمة واحدة تتردد حينما يتيقن الناسُ من فشل النظام ، وتعجز أجهزته الإعلامية عن إخفاء ذلك الفشل .
حينها تنطلق الأبواق المتذاكية والعقول المبرمجة عبر وسائل الإعلام لتردد أن المؤامرات الداخلية والإقليمية والعالمية هي سبب الفشل وليس خيبة النظام وضعف كفاءة رجاله وشراهة بطون أنصاره .
والعَجَبُ العُجَابُ هو تلك المفارقة بين إنجازات الإخوان رغم ما يلاقونه من عقبات ، وإخفاقات النظام ومؤيديه من العلمانيين ورجال الأعمال والمستفيدين رغم توافر الإمكانات .
فقد كان الإخوان المسلمون في عهد حسني مبارك مطارَدين مضطهَدين ، بل ويُقَدَّمون إلى المحاكم العسكرية ، وتقيد نشاطَهم القوانينُ والإجراءاتُ الأمنية ، ومع ذلك حققوا نجاحات مشهورة في إدارتهم للنقابات المهنية التي أداروها ، وفي جمعياتهم الخيرية التي أنشأؤوها .
وحينما نجحت ثورة 25 يناير في إسقاط حسني مبارك كانوا الجماعة الوحيدة المستعدة لخوض كل الاستحقاقات الانتخابية ، والوحيدة القادرة على التواصل مع جماهير الشعب في كل مكان على أرض مصر من شرقها لغربها وشمالها لجنوبها ، بينما كانت الجماعات والأحزاب المدللة في زمن حسني مبارك عاجزة عن التعامل مع الجماهير ، ولم تقدر سوى على التواجد الإعلامي القائم على التضليل والتزوير والأكاذيب والتهويل إلى الدرجة التي جعلت الكثيرين منهم يطالبون المجلس العسكري بالبقاء في الحكم لفترة من الزمن بزعم إتاحة الفرصة لتواجدهم وانتشارهم بين الجماهير حتى لا ينفرد الإخوان وحدهم بالشعبية والجماهيرية التي توصلهم إلى المجالس النيابية وتأليف الحكومات وتشكيل الوزارات .
وحينما فشلت جهود المجلس العسكري في إسقاط الدكتور محمد مرسي في الانتخابات الرئاسية ، سَعَوْا إلى إفشاله من خلال تحكمهم القديم في مفاصل الدولة ، ومن خلال احتكارهم للقوة الصلبة المتمثلة في الشرطة والجيش ، ومن خلال سيطرتهم على القضاء والإعلام ، ومع ذلك نطقت كلُّ مؤسساتِهم المختصة مثل وزارة التخطيط والمالية والبنك المركزي والجهاز المركزي للمحاسبات وغيرها ، نطقت بكلمة الحق بعد نجاح الانقلاب ، وبيَّنتْ كلُّ مؤشراتِ النموِّ التقدمَ الذي تحقق في عهد الدكتور محمد مرسي رغم ما لاقاه من الدولة العميقة هو وجماعته ، لكن الإعلام لم يبرز تلك البيانات سوى في الصفحات الداخلية وبالأرقام دون الإشارة إلى أنها تمت في عهد الدكتور محمد مرسي حتى لا ينتبه لها الناس .
بل إنني أعتقد اعتقادا يكاد يكون جازما أن أوربا وأمريكا وافقت على الانقلاب خوفا من وصول النمو الاقتصادي الذي بدأ حَبْوا ، ويكاد حَبْوُه أن يكون سيرا ثم هرولة إلى درجة يستحيل معها إزاحة الدكتور محمد مرسي والإخوان من المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية مثلما حدث لحزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان ثم أحمد داود أوغلو في تركيا .
وبعد نجاح الانقلاب وتمكنه من السيطرة على كل مفاصل الدولة ، ووقوف الدولة العميقة معه بكل قوتها ، والأموال التي انهالت عليه من مؤيديه الإقليميين والبالغة ما يقرب من 50 مليار دولار ، والتأييد العالمي الذي حظي به من أوربا وأمريكا وروسيا والصين وإيران ، ومع كل ذلك فشل فشلا ذريعا في إدارة شئون البلاد الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية والتعليمية ... إلخ .
ينسى المرددون لتلك الاسطوانة المشروخة ( اسطوانة المؤامرة على مصر ) حقيقة من حقائق الحياة ، وسنة من سنن المجتمعات ألا وهي أن الصراع والتحديات لازمة من لوازم الدول والممالك والأنظمة والحكومات التي تدير شؤون البلاد والعباد ، وأن الفرق بين النظام الناجح والنظام الفاشل يكمن في قدرة كل منهما على مواجهة تلك التحديات بالحلول المناسبة والإجراءات .
آفة العسكر في مصر أنهم يحملون أمرا ليسوا أهلا لحمله ، ويكابرون حينما يتهمون أسبابا وهمية ومؤامرات داخلية وخارجية ، ولا أدري متى سيُوَسَّد الأمرُ في مصر إلى أهله .