المستشار عماد أبو هاشم
تناقلت وسائل الاعلام الأيام الماضية ما يفيد تسرب معلوماتٍ استخباراتيةٍ تشير إلى ضلوع المخابرات المصرية فى تفجير الطائرة الروسية التى سقطت مؤخرًا وسط شبه جزيرة سيناء قولًا بأن القنبلة التى زُرِعت بالطائرة تم توقيتها للانفجار بعد ساعتين من إقلاعها لتكون الطائرة قد وصلت بالفعل إلى الأراضى التركيةِ ؛ و ذلك بغية إلصاق التهمة بالدولة التركية انتقامًا منها بسبب مواقفها تجاه قضايا الشرق الأوسط .
و كمحققٍ جنائىٍّ تَوَجَّبَ علىَّ التوقف عند ذلك الخبر لمناقشة و تحليل جوانبه و جزئياته استظهارًا لوجه الحقيقة فيه و استبيانًا لمدى مصداقيتة و تبيانًا لأسباب استباق البوح به نتائج التحقيقات الجارية ، و انطلاقًا من ذلك تَكَشَّفَت لدينا بعض الأمور المهمة :
أولًا : سِيق ذلك الخبر دون أن يرتكز على أدلةٍ تنهض به و دون أن يُعزَى إلى جهةٍ رسميةٍ تضفى عليه شيئًا من المصداقية .
ثانيًا : قفز بنا إلى افتراضٍ لم تثبت صحته حتى تلك اللحظة حينما أورد أن سبب وقوع الطائرة يُعزَى إلى قنبلةٍ زُرعت على متنها ، و هذا افتراضٌ يخالف المُتحصل من آخر محادثةٍ جرت بين قائد الطائرة و برج المراقبة و التى طلب فيها السماح له بالهبوط اضطراريًّا فى مطار العريش الدولى بسبب عطلٍ طارئٍ ، فهل من المعقول أن يُتيح انفجار قنبلةٍ بطائرة تحلق فى عنان السماء شيئًا من الوقتِ لقائدها كى يُجرى مكالمةً انتهت قبل حدوثه و إلا لسُمع دويُّه خلالها ؟ و لماذا لم يخبر قائد الطائرة برج المراقبة بأن ثمة انفجاراتٍ وقعت على متن طائرته إن كان من الممكن أن يصبر عليه الانفجاربعض الوقت للاتصال ببرج المراقبة ؟ إن هذا السيناريو من الممكن أن يحدث ولكن ـ فقط ـ فى أفلام توم آند جيرى .
ثالثًا : لا أدرى أى عبقرىٍّ يمكنه تحديد الميقات الذى ضُبطَ لانفجار قنبلةٍ معدةٍ للانفجار بعد انفجارها ، و أنَّى له لذلك ؟ و إن صح القول فهل يُطلعنا صاحبه على الأسس العلمية التى بنى عليها استنتاجه لمناقشتها و تفنيدها ؟ إنه يكاد يستحيل ـ من الناحيتين : الواقعية و النظرية ـ الوقوف على الميقات الذى ضُبط لانفجار قنبلةٍ بعد انفجارها ، لأنه ببساطةٍ لن يُبقِىَ الانفجار و ما ينتج عنه من آثارٍ ما يمكن أن يُقاس به ذلك الميقات ، و لا يمكن لأحدٍ يعلمه إلا الله و من اقترف ذلك الجرم أوحرض عليه .
رابعًا : المدهش أن ذلك الطرح قد حدد الميقات الذى ضُبطت عليه القنبلة للانفجار بساعتين بالتمام والكمال من لحظة إقلاعها ، ما هذه الدقة المتناهية ؟ إن الذى يقف على تلك النتيجة يستطيع ـ من باب أولى ـ أن يرشدنا إلى شخص من زرع تلك القنبلة على متن الطائرة المنكوبة فتسبب بإسقاطها و هو أمرٌ هينٌ بجانب ما ساقه من قولٍ ، أو يشرح لنا كيف ضُبط ميقات انفجار القنبلة لتنفجر بعد ساعتين من إقلاعها فإذا بها تنفجر ـ بقدرة قادرٍ ـ بعد دقائق .
خامسًا : تسويق الطرح القائل بضبط ميقات القنبلة التى زُرعت على متن الطائرة بساعتين تكون خلالها الطائرة قد دخلت الأراضى التركية لإلصاق التهمة بحكومتها ـ عمدًا أو إهمالًا ـ لا يخلو هو الآخر من تفنيدٍ ، فلم يثبت أن الطائرة كانت ستهبط بالأراضى التركية " ترانزيت " قبل وصولها إلى نهاية خط سيرها ، أى أن الطائرة كانت ستنفجرـ إن صح ذلك الطرح ـ بعد ساعتين و هى مازالت بالأجواء التركية ، و هذا ليس بكافٍ لإثبات مسئولية الدولة التركية عن انفجار طائرةٍ لم تهبط على أرضها ، فضلًا عن أن المسافة الزمنية التى كانت ستستغرقها الطائرة وصولًا إلى الأجواء التركية لم تُحسب ـ بعد ـ لتبيان ما إذا كانت تُقدَّر بساعتين أو أكثر أو أقل .
سادسًا : الإشارة إلى ضلوع المخابرات المصرية فى إسقاط الطائرة هو المضحك فى هذا الأمر كله ، فهل تمتلك مصر حقًّا أجهزة استخباراتٍ فى الأصل ؟ إن أجهزة الاستخبارات الموجودة فى مصر لا تعدو إلا أن تكون فروعًا للمخابرات الأمريكية و الإسرائيلية لا تتحرك خطوةً واحدةً إلا بأوامر مباشرةٍ منهما ، فهل يجرؤ النظام فى مصر على الخروج عن الطوق الذى وُضِعَ فيه منذ عشرات السنين و فى هذا الوقت الحرج بالنسبة له الذى يترنح فيه و يوشك على السقوط ؟ أو هل تجرؤ المخابرات الأمريكية أو الإسرائيلية على ممارسة تلك الألعاب مع الدب الروسىِّ ؟ بالقطع ستكون الإجابة بالنفى ذلك أن تصفية الحسابات بين أجهزة المخابرات بعضها البعض تتم وفقًا لنظرية الردع ، بمعنى أنه إذا خرجت إحداها عن الأصول المقررة للعب يكون رد نظيرتها التى أضِيرت ردًّا رادعًا مُضاعَفًا ، بالطبع لم تكن روسيا لتتجاوز الأمر دون ردٍّ انتقامىٍّ عنيفٍ ، و في هذه الحالة يكون " البادى أظلم " كما يقول ن ، كما أن النظام في مصر أجبن من يأتىَ عملًا كهذا .
إن كشف محاولة إيجاد ستارٍ قانونىٍّ لمضاعفة أعداد القوات الدولية الموجودة فى مصر تذرعًا بالارهاب بالتزامن مع اقتراب إعلان إفلاس الدولة المصرية و سيطرة الدائنين على سياستها الاقتصادية و مقاليد الحكم فيها بما فى ذلك قناة السويس فتكون تلك القوات بمثابة احتلالٍ ناعمٍ للأراضى المصرية ـ وهو ما كشفنا عنه سابقًا ـ لا شك أنه الدافع لتسويق مثل تلك الروايات والقصص التى تفتقد إلى الحبكة الدرامية ، لكن المصريين منذ سبعة آلاف عام يصدقون كل ما يُقال إليهم ، و لا يتعلمون شيئًا من دروس الماضى .