د. فتحي أو الورد
ليست الولايات العامة أو المناصب العليا والإدارية فى النظام السياسى الإسلامى مجالا للوجاهة أو النفع الخاص ، أو النظر إليها على أنها غنيمة باردة ، يختطفها المسلم متى سنحت له الظروف والأحوال ، وإنما هى فى النظر الإسلامى تكليف وأمانة ، يجب أن يترشح لها القوى الأمين كما قال تعالى على لسان ابنة شعيب عليه السلام: "إن خير من استأجرت القوى الأمين" (القصص: 26) . كما يجب أن تؤدى الأمانات بحقها ، وإلا عرض المسلم نفسه للخزى والندامة يوم القيامة إن لم يكن أهلا لها ، أو كان أهلا ولم يعدل فيها .
جاء فى صحيح مسلم عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله، ألا تستعملني؟ قال: فضرب بيده على منكبي، ثم قال: "يا أبا ذر، إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها" .
أما من كان أهلا للولاية وعدل فيها فله فضل عظيم تظاهرت به الأحاديث الصحيحة كحديث سبعة يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله ، منهم : إمام عادل ، وحديث مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال : "إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن وكلتا يديه يمين الذين يعدلون في حكمهم وأهليهم وما ولوا" .
فالأهلية والقدرة على القيام بمهام المنصب أو الوظيفة هما المعيار الصحيح لتولى المناصب في النظام السياسي الإسلامي.
والحرية السياسية تعنى عند المعاصرين أمرين هما:
ــ حق كل إنسان في ولاية الوظائف الإدارية صغراها وكبراها ما دام بكفايته أهلًا لتوليها.
ــ حق كل إنسان أن يبدي رأيه في سير الأمور العامة، وتخطئتها أو تصويبها وفق ما يعتقد.
ولكن هذه الحريات السياسية بشقيها السابقين - كما يقول الشيخ محمد الغزالي - تقوم على أن المناصب المختلفة وسائل لخدمة المجتمع، وأن من يشغلها موضع الرقابة الدقيقة من جمهور الأمة .
لكن البعض ينظر إلى حقه فى حرية الترشح للمناصب العامة، دون أن ينظر إلى قدراته ومؤهلاته على القيام بواجب هذا الحق ، أو ينظر فى نيته ، هل هى لله ، ثم لخدمة المجتمع ؟ أم أنها نزوة شيطانية ، وبحث عن مجد شخصى ، ومنصب يتوارى خلفه ليرفع خسيسته؟ فما من حق فى الإسلام إلا ويقابله واجب .
وبعض من يتصدرون للشأن العام يستغلون الحرية السياسية التى أقرها الإسلام بشرائطها، ليجعلوا من دلالتها الحسنة - وفق أهوائهم - غنيمة سياسية ، فيترشحون للشأن العام ، والطمع الشخصى نصب أعينهم ، والنهب للمال العام غاية ومقصد لهم ، والنجومية وصناعة مجد شخصى هدف واضح لذواتهم.
أما تأييد الفساد ، ونصرة الظالمين ، وتكريس الاستبداد ، وتضييع حقوق الشعوب ، فهذه كلها مفردات البرنامج الانتخابي للمرشح غير المعلنة ، وشروط ترشيحه الغير مكتوبة ، يعطى عليها المرشح العهود والمواثيق قبل أن يخرج اسمه إلى العلن ، ويمنح تأشيرة الفائز الفاشل .
ومن ثم فلا عجب من أن تتصدر النفايات وتتوارى الكفايات ، ولاغرابة من أن يرتفع العظاميون ، وينخفض العصاميون ، وتصبح المناصب العامة غنيمة سياسية ، ولا تسأل بعد ذلك لماذا آلت أحوال أمتنا إلى ما نحن فيه ؟.