بقلم : محمد ثابت
الذكرى الثالثة لمتغير طرأ على ما تعارف على تسميته بانتصار السادس من أكتوبر 1973م، فمنذ تاريخ الحدث الموافق 10 من رمضان ..يوم اندلاع المعركة على الجبهتين المصرية والسورية ضد العدو الصهيوني في ظهيرة يوم كانت الأمة فيه على موعد مع يوم مبارك من أيام شهر رمضان المبارك، منذ أكتوبر المقصود وحتى 3 من يوليو 2013م لم يكن الخلاف حول هذه الحرب.. بحجم الخلاف الدائر رحاه اليوم في مصر أكانت انتصاراً مشهوداً أم هزيمة غير مسبوقة؟
والأمر على النحو الأخير الجديد يناسب إنقلاباً قام الجيش المصري به على أول تجربة ديمقراطية وليدة في التاريخ، ولكنه لما يصل إلى حد المشاركة من أحد الذين يعدون قادة للرأي بجماعة الإخوان هذا العام، بتناول على أننا لم نكن أمام انتصار أو يحزنون، وإننا ظللنا بالتالي على مدار 39 عاماً نحتفل بالأوهام، بما في ذلك احتفال جماعة الإخوان المسلمين في آخر تلك الأعوام، أكتوبر 2012م، والاحتفال الأخير مثير للجدل..جرتْ أحداثه باستاد القاهرة بحضوره الرئيس محمد مرسي، فك الله أسره.. ولسنا هنا بصدد تناول مجريات الاحتفال، كما إننا لسنا بصدد أحداث السادس من أكتوبر 1973م .. أو ذكراها على مدار سنوات ما قبل الإنقلاب، أو الوثائق التي لم تصدر عن الحرب كاملة أو مجزوئة، ولسنا كذلك بمثابة تناول اتفاقية "كامب ديفيد" هل كانت قتلاً لحرب العاشر من رمضان السادس من أكتوبر أم بقية من مسلسل الحرب كما يرى البعض وما يزالون؟!.. ولكن للأمانة نحن أمام محاولة لإعادة تنظيم ما هو أعم وأشمل ويخص جانباً بالغ الأهمية من حياتنا.. ألا وهي المنظومة الفكرية الخاصة بمن من المفترض أن يكونوا عقول الأمة .. مع التقدير والاحترام للأشخاص ..
من المُسلم به إن الأمم التي تسعى نحو النهضة والتقدم ومن قبل التحرر من منظومة الرجعية يمثل قادة الرأي والفكر فيها الطائر الذي يسبق خطوها نحو تحررها .. وتنظيم الأفكار منها، والأمر لا يخضع للوجدان أو العاطفة إلا حسبما يسمح المجال به ..لكن أن يحدث العكس فإن لأمر يستحق التوقف بالفعل في ملابسات وظروف بالغة الضراوة .. فأولئك الذين يتصدون للسادس من أكتوبر على إنه كان هزيمة أو انتصاراً مفتعلاً .. واضعين نصب أعينهم موقف الجيش المصري المخزي اليوم من الشعب المصري نفسه، بل مساندته العدو الصهيوني .. إن أولئك لا يستطيعون التدقيق في الحقيقة على نحو كامل، ولا يستوعبون مجريات الأمور بالدرجة الكاملة من الادراك العقلي، بل في بعض تلك المقالات، برأيي، فخاخاً عقلية، يقول الكاتب فيها في البداية ما لا يريد الوصول إليه في النهاية، بل يلف ويدور ليثبت ما يريد، فهو لا يتناول الحرب من جميع جوانبها، إلا إن لديه أسئلة تشكك فيها بالكلية، ثم هو يترحم على الشهداء فيها في النهاية ويلعن الذين زجوا بالجيش المصري في أتون الموقف المشين اليوم ..
تمام التفكير الهادىء العلمي في الأمر يقول بنقطة نظام.. تُقر بأن الجيش المصري المشارك في حرب السادس من أكتوبر 1973م لم يكن كله على درجة واحدة من النزاهة والرغبة القتالية .. تلك عادة البشر .. بما فيهم القادة تحديداً، كما إن الجيش المصري المشارك في انقلاب 2013م لم يكن كله على نفس الدرجة من الخيانة.. ولا داعي لذكر القادة هنا لإنهم أضعف ما في الحلقة في الحالة الأخيرة، وللأمانة فإن النظرة المثلى إلى جيش 1973م .. والمضادة إلى جيش 2013م هي أصل الشقاء في كثير من مقالات اليوم بخاصة مقال بعينه لداعية بعينه.. إن هذه النظرة العاطفية تنبع عنها شرور لا حصر لها .. كما إنها تميل إلى التسرع .. وافتراض حقائق قد يكون بعضها صحيحاً لكنها مجتزاة في غير سياقها، وإلا إذا كان أكتوبر 1973م له صورة مغايرة لماذا لم يتناولها كاتب المقال من قبل الإنقلاب؟ ولماذا لم يعترض على سابق احتفال جماعة الإخوان نفسها به إذ هي في السلطة ..؟
ثم إن بين الجيشين أربعين عاماً بالتمام والكمال.. بين الجيش الذي رفع شعار:"بسم الله .. الله أكبر"، وبين الجيش الذي يقتل الشرفاء .. مع عدم الإقرار بالتعميم في الحالين .. فلماذا لا نقر لجيش 1973م بما له .. ولا نتوقف عن الرغبة في محاربة كامل جيش 2013م؟
إن النظرة المعاكسة في النهاية تصب في مصلحة عدو يريد تمام الفرقة لبلدنا مصر.. واستمرار ما يقول البعض به من معركة صفرية .. معركة وجود بين جماعة الإخوان المسلمين والجيش المصري، وإنني إذ أقر بفاحش خطايا قادة الإنقلاب .. لا أقر هذه النظرة، واتمنى مراجعة الموقف بشىء من العقل والتعقل، جيش مصر في 1973م قاد معركة بطولة .. اختلفنا أو أتفقنا حول تمامها .. ثم إن انقلاب قادته وجزء كبير منه في 2013م لا يساوي إنكار كامل تاريخه والتلويح بإنه كان جزءً من منظومة خيانة، وهو نفس الجيش الذي رفع القادة عقب ثورة يناير، قادة الرأي اليوم رفعوا شعاراً من مثل:"الجيش والشعب" أيد واحدة..
إن "خطايا أفكار" وعدم إحسان في الانتظام الفكري يجب التصدي لها إن أردنا مقومات تغيير مواقفنا اليوم .. والحفاظ على ما تبقى من بلدنا، وعدم الاستسلام للواقع البالغ المرارة..!