مصطفى عبد الفتاح :
وداعًا أستاذي هاشم حسن
رحل عن هذه الدنيا الفانية رجلٌ رباني - أحسبه كذلك والله حسيبه - وهو الأستاذ/ هاشم حسن. توفي وهو أسيرٌ في سجن قنا بعد عامين من
الاعتقال؛ ومضى إلى ربه يشكو إلى الله ظلم الظالمين وطغيان الكافرين.
عرفت هذا المجاهد رحمه الله منذ أكثر من عشرين عامًا - منذ أن كان يعلمنا التلاوة ونحن صغار؛ فرأيت منه الصلاح والتعلق بالقرآن
والدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
ولد الأستاذ هاشم حسن عبده صالح عام 1963، وانضم إلى جماعة الإخوان المسلمين وكان أحد رموزها في أسوان، وهو متزوج وله
أربعة من الأولاد.
كان مربيًا قدوة مجاهدًا في مدافعة أهل الباطل والتمكين لدين الله في الأرض، وهذه بعض جوانب حياته:
الصلاة والمسجد
كان رحمه الله محافظًا على الصلاة في المساجد ولم تكن صلاته كصلاة الكثيرين منا؛ إنما كانت صلاة رجل يحب الوقوف بين يدي الله.
لا تراه أبدًا متعجلًا في صلاته إنما تشعر بخشوع قلبه وجوارحه؛ وكان مجرد النظر إليه وهو يصلي يبعث في النفس الطمأنينة.
كان قلبه معلق بالمساجد ويطيل المكث فيها، ويتعجب من هرولة كثير من المصلين بعد انتهاء الصلاة خارجين من المسجد ويقول: هو فيه
أجمل من إنك تجلس في بيت الله تتلو كتاب الله!، وكثيرًا ما يجلس وحده في المسجد يتلو كتاب الله ويتدبره.
أما عن علاقته بالقرآن فقد كانت علاقة فريدة يشهد بها كل من عرفه وخالطه. فقد كان يقرأ القرآن قراءة خاشعة وكأنك - وأنت تستمع إلى
تلاوته - تستمع إلى تفسير مع التلاوة؛ لا تلاوة فحسب. وكان يقول: أي كتاب يمكن أن تقرأه مرة أو أكثر ثم تمل إلا القرآن كلما أكثرت
من قراءته كلما أحببته وتعلقت به أكثر. وكان حريصًا على تدبر القرآن والعمل بما فيه.
كان لينًا هينًا يألف ويؤلف، لا يرفع صوته أو يحتد على أحد من إخوانه مهما كان الأمر. وكان رحمه الله متواضعًا لا يرى لنفسه فضلًا
على أحد ولسان حاله قوله تعالى "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، وكان يحرص على زيارة إخوانه في بيوتهم ويقول: من أكبر الأخطاء أن
نترك هذه السُنًّة مع أن لها أعظم الأثر في تقوية رابطة الأخوة في الله.
تعلقه بالمصلحين والعلماء
كان شديد التأثر بالأستاذ حسن البنا والشقيقين سيد ومحمد قطب رحمهم الله وقرأ معظم مؤلفاتهم ووعاها مما كان له أكبر الأثر في فهمه
والتزامه، إضافة إلى غيرهم من المصلحين والعلماء والدعاة.
في أحد اللقاءات - وكان الحضور أكثر من ثلاثين تقريبًا - سأل المحاضر: اللي مضربش أولاده ولا مرة طول حياته يرفع إيده!
فلم يرفع أحد يده إلا الأستاذ هاشم رحمه الله، فقد كان رفيقًا بأهل بيته محبًا لهم حانيًا عليهم؛ وإن أردت أن تعرف حقيقة إنسان فسل عنه
كان معلمًا للقرآن، داعيًا إلى الحق، حريصًا على نفع الناس، وتعليمهم، مهتمًا بأمور المسلمين وكثيرًا ما كان يجهر بالدعاء بعد الصلوات
- خاصة الجمعة - لنصرة قضايا المسلمين في كل بقاع الأرض مهما حاول الناس إسكاته، ومهما كان الضرر الواقع عليه؛ وبعد الانقلاب
استمر في دعائه جهرًا في المساجد على الظالمين حتى اعتقلوه لعنهم الله.
بعد الانقلاب بأيام قيل له: إن الأمر سينتهي قريبًا جدًا إن شاء الله، فقال: لا، الموضوع مطول ومش هيخلص بالساهل، دا بداية الصراع
العلني بين المشروع الإسلامي والمشروع الصهيوني الصليبي؛ دا بداية تكوين جيش تحرير الأقصى إن شاء الله.
ختام حياته
أراد الله عز وجل أن يُعتقل هذا المجاهد لمدة عامين؛ كانا بمثابة خلوة للاستعداد للقاء الله؛ عامين من الصلاة والقرآن والذكر والدعاء.
وفي ليلة وفاته أدى صلاة القيام وتسحر ثم أذن لصلاة الفجر من زنزانته وصلى بإخوانه الفجر إمامًا ثم قبض بعدها بساعات صائمًا في
أفضل أيام العام (أيام العشر).
رأت أم أحد الأسرى رؤيا من شهور وقصَّتها على ابنها، وخلاصة الرؤيا أنها رأت الأستاذ هاشم يمشي مرتديًا جلبابًا مميزًا ورأت بين
يديه غنمًا كثيرًا يتقدمهم كبش كبير فسألت: هو رايح فين فقالوا: إلى عرفات، وبعد وفاة الأستاذ هاشم قالت لولدها إن هذه الغنم - إن شاء
الله - هي قرابين تقرب بها إلى الله تعالى.
اللهم إنا نشهد أنه كان محافظًا على الصلاة تاليًا للقرآن محبًا للخير جريئًا في الحق متواضعًا للمؤمنين عزيزًا على المنافقين.
اللهم تقبل شهادتنا فيه، اللهم اغفر له وارحمه وعافه واعف عنه وأكرم نزله ووسع مدخله واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا
كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس وأبدله دارًا خير من داره وأهلًا خير من أهله وزوجًا خيرًا من زوجه وأدخله الجنة وأعذه من عذاب
القبر ومن عذاب النار. اللهم اجمعنا به في مستقر رحمتك إخوانًا على سرر متقابلين، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده، واغفر لنا وله،
واربط على قلب زوجته وأولاده وإخوانه يا أرحم الراحمين.
إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا بفراقك يا أخي هاشم لمحزونون وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة