بقلم: أحمد الحارون
وعلى مقربةٍ من مرمى البصر لمحتُ جملاً يستريحُ من حِمْلِهِ ووهجِ الصحراءِ، ويأتي غُرابُ البين ليحطَّ على سنامِه، ويعبث بمنقارِه اللئيم في جلده، فينغص عليه راحته، وأستحضر من آلام الجمل وصبره آلام فلسطين وقسوة الاحتلال، كما يأتي أسوأ شعوب الأرض وأجبنها لتنقر الشباب بالرصاصات، وتجوس خلال الديار، ما أشبهك يا جملي ببلدي! لا يختار غراب البين إلا سنام الجمل ليفسد على من يمطتيه راحته، فيشفق مِن وضعِ القتب علي جرحه، أتراكِ يا فلسطين تشبهين الجمل؟ لا تستريحين من همكِ ليلا أو نهارا، ولستِ بمنأى عن غربان البين التي أقضت مضجعكِ وآلمت سنامكِ، ومتى تعانق القدس مطر الأمان من رصاصات العدو الآثم أو عبث الصديق الأحمق؟
أتعجب! كيف لغرابٍ في حجم دمية صغيرة في يد رضيع أن يعبث بناقة أو جملٍ؟ وكيف تعبث قبضة من شراذم اليهود لا تساوي في جملتها عدد مدينة صغيرة من مدننا كل هذا العبث بنا وبالمحيطين؟ يبدو أن لكلِّ الأحياء سناماً، ولكل الخلق في هذه الدنيا نصيب من عبث غرابٍ من الغربان، لله دره من زند جمل صبور، يذكرني بكل أم من أمهات فلسطيننا الحبيبة، وتحية لك أيها الجمل الصابر على العطش وتحمل لغيرك ثقيل السقاء؛ تعرف طريق الآبار ولا ترى قيعانها، تماما كالبطن التي تلد وتربي وليدها على الشهادة، وعلى كبرياء سنام الجمل مهما كانت جروحه وقروحه، ومهما عبثت به غربان بني قريظة أو أحفاد بني النضير، وسيظل الغراب غراباً مهما طُلي ريشه بلون الطاووس، أو قلد هديل الحمام، ولا ننسى ما حيينا محمد الدرة؛ ولا طفل الأمس الفلسطيني النابلسي الرضيع علي سعد دوابشة، وستظلين يا أمي لك صبر الجمل وعلو سنامه؛ وقدرنا أن ننام وعيوننا مفتوحة لكي لا تنغص الغربان لنا سناماً، لكن وإن كنتُ من الذين لا يتشاءمون لكن صيحات هذه الغربان ونعيقها أيقظتُ الموت الكامن داخلي، فهو لا ريب مصيبي هنا أو هناك، قاعداً أو قائماً، وعلى كل حال فأنا قانع بكل ما في علم الله غيباً، فلست أخاف بياض السيوف ولا نعيق الغربان، وما أقرب دورنا بقبورنا!
يا أُمَّةَ المِليَارِ أَينَ قُلوبُكمْ*** أَينَ المَشَاعِرُ هَلْ غَدَتْ أَحْجَارا؟
لَمَّا رَأيتُمْ جِسْمَهُ مُتنَاثراً*** وَدِمَاءَهُ صَارتْ عَليهِ دِثَارا
يا أُمَّةَ الِمليَارِ هَلْ مِنْ غَضْبَةٍ *** لِلهِ تَمحُوا ذُلَّنا والعَارا