بقلم \ وليد شوشة
 
لم أكد أقرأ نبأ تفوق طلبة الإخوان المسلمين في الثانوية العامة ، والقابعون خلف القضبان وفى غياهب سجون الانقلاب ، حتى امتلأ قلبي فرحاً ، وفخراً، وأملاً. لقد أورد موقع "الجزيرة نت "تحت عنوان "التفوق الدراسي وسيلة للمعارضة بمصر" شكلت نتائج الثانوية العامة في مصر فرصة لعدد من معارضي الانقلاب للتحدي والتغلب على الصعوبات التي فرضتها عليهم الأوضاع ، وحقق عدد من المعتقلين ،أو ذوى أفراد معتقلين أو مطاردين نتائج مميزة في الامتحان الذى أٌعلن عنه مؤخراً. لقد استطاع هؤلاء الشباب بفضل الله أن يقهروا كل هذه الظروف القاسية ،  الصعبة ، ولم يستسلموا لها كما ظن الانقلابيون، بل تحدوها بروح مؤمنة قوية ؛ ثمرة تربية وصبر آباء ، وأمهات أبطال .لإخراج جيل قوى مؤمن بقضيته، مجاهد في سبيل عزة أمته . لقد كان كافياً على هؤلاء الشباب أن يقهرهم عاملاً واحداً من عوامل الضعف التي تمر بها الأمة في هذه المرحلة العصيبة من تاريخها ، كما قهرت الظروف الصعبة عشرات غيرهم ، حتى هربوا منها إلى الموت انتحاراً ، فلم تطفئ ظلمة السجن أنوار المستقبل عندهم ، ولم تطمس ٌستر الموت السوداء التي أسدلها الانقلاب على البلاد أضواء الحياة ، ولم تٌغيب حرارة الرحيل والبعد ظلال الايمان والقرب .فظل عودهم صٌلب ، وقامتهم مرفوعة، ولم تنل لهم قناة . لم يستطع الانقلاب رغم ما فعل فيهم من قتل ، وسجن ، وطرد أن يحبسهم في همومهم ،بل كان داع لهم لأن يتقدموا للأمام بعزيمة واصرار المؤمنين "الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ وَاللّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)آل عمران
إنه الايمان بالله الذى يهون دونه كل غال ورخيص، والإيمان بحريتهم ، وثورتهم المسروقة ، وحقهم في العيش بكرامة وانسانية ، كما أنها التربية التي أججها غباء الانقلاب لتثبيت معانى الإباء ، وعدم الاستسلام وقبول الهوان . لقد اتسع محبسهم مع ضيقه بسعة إيمانهم ونفوسهم ، وكانوا كمن نظر من نافذة سجنه ،فرأى السماء  وسعتها ، فحلق بروحه  الطيبة في عليين ؛فامتلأت أملاً  وصبراً، ولم يكن كمن نظر إلى الأرض فضاق صدره ، وخف أمله.
اسمع لأحدهم "بلال " ابن القيادي بالإخوان "هشام خفاجي " الذى قتل رفقة ثمانية آخرين على يد قوات الأمن منذ قرابة أسبوعين في مدينة 6أكتوبرغرب القاهرة يقول:" رغم الظروف الصعبة التي نمر بها منذ عامين ، فإنني كنت على يقين بأن الله سيوفقني ولن يخذلني " وقد حصل بلال على نسبة 97% ، والتي لم يستطع الكثيرون من أقرانه الحصول على مثلها ،رغم وجودهم في ظروف أفضل بكثير مما هو فيه.
واسمع إليه ثانية عله يحرك بكلماته كل من التصق بمقعده ، ولزم بيته، فيما نٌقل عنه "إن حرصه على التفوق لم يحل دون مشاركته في جميع الفعاليات المناهضة للانقلاب في بلده ، وهو ما جعله يدفع الثمن بفقدان والده ووجود والدته هدى غنية ضمن قائمة المطاردين "، وما أجمل هذا التحدي والإباء الذى أبداه الطالب "عمر ياسر شاهين" والذى حصل على نسبة 98.3% متغلباً على ظروف الاعتقال ،حيث يقضى خمس سنوات في سجن وادى النطرون ، قال عمر :"لقد حضرت للامتحان لأكون الأول على الجمهورية" حسب الجزيرة نت.
كما حقق الطالب "اسلام محمد شاكر الديب" نسبة 98.3% رغم سجن والده القيادي بالإخوان ، والنائب السابق في مجلس الشعب.                                                                                                                  
لقد استودع هؤلاء الآباء الأبطال الله؛ أزواجهم وأبنائهم بعدما اقتادهم الظلمة إلى غياهب السجون والمعتقلات ، والله لا تضيع عنده الودائع . فأنعم الله عليهم وتولاهم برحمته ، ومن أرأف بأهلنا وأولادنا غير الله. وانظر إلى آلاف غيرهم بين آبائهم وأمهاتهم ينعمون ، وانظر إلى نسبة ما حصلوا عليه تعرف هذه المعية بحق. لقد تحول الصراع بين الثوار والانقلابين إلى صراع ارادة ووجود ،كما قالت الخبيرة الاجتماعية "أميرة بدران" للجزيرة نت ، وكيف لا ؟ والانقلاب الغاشم لا يدرى حتى الساعة سيكولوجية معارضيه ، الذين ترتفع معنوياتهم كل يوم ولا تهبط ، ويٌحولون المحنة إلى منحة ، فإن ُسجنوا فخلوة مع الله والعلم ، وإن نفوا فسياحة وترويح لأوبة نشيطة ، وإن قٌتلوا فشهادة في سبيل الله هي أسمى أمانيهم ، وشعارهم في كل ذلك "فزت وربك الكعبة" يستقبلون كل هذه المحن بنفوس مؤمنة راضية ، وقلوب عامرة مطمئنة ، وألسنة ذاكرة حامدة ، ووجوه ضاحكة مستبشرة ، مقابل وجوه عابسة عليها غبرة ترهقها قترة ، لقد فهموا معنى الإسلام والانتماء له، ودلهم شاعر الإسلام الكبير "محمد اقبال " على معنى المسلم الحق ، حين قال لهم :" لم يخلق ليندفع مع التيار ، ويساير الركب البشرى حيث اتجه وسار؛ بل خلق ليوجه العالم ، والمجتمع ،و المدنية ................ إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاسرة ، والأوضاع القاهرة ، والاعتذار بالقضاء والقدر من شأن الضعفاء والأقزام .أما المؤمن القوى ؛ فهو بنفسه قضاء الله الغالب وقدره الذى لا يٌرد" .
لقد أثبت هؤلاء الطلاب بحصولهم على أعلى النسب في سباق يضم الألاف من أقرانهم ، حيوية هذه الجماعة الصامدة ، وأنها ليست بجماعة عنف وإرهاب ، كما أثبتوا للعالم حبهم للحياة واعمارها ، وحبهم للعلم والتفوق فيه ،وكيف لمتفوق أن يكرهها ويخربها ، لقد برهنوا لمن يعقل عكس ما يٌهرطق به مهرجي الانقلاب وأراجوزاته عبر بالوعات اعلامهم ، أو ألحان النشاز التي يعزفها أو يقذفها نخبة الانقلاب المعتوهة . لقد نطقوا بأنهم صامدون رغم الصعاب والجراح ؛لن يلينوا أو يٌهانوا ، وما يقدموه إنما هو لدينهم ووطنهم ،و شعبهم ؛ الذين سيظلون له أوفياء ، كيف لا وإمامهم البنا قد علمهم بأن "نحب أن يعلم قومنا أنهم أحب إلينا من أنفسنا ، و أنه حبيب إلى هذه النفوس أن تذهب فداء لعزتهم إن كان فيها الفداء ، و أن تزهق ثمنا لمجدهم و كرامتهم و دينهم و آمالهم إن كان فيها الغناء، و ما أوقفنا هذا الموقف منهم إلا هذه العاطفة التي استبدت بقلوبنا و ملكت علينا مشاعرنا ، فأقضت مضاجعنا ، و أسالت مدامعنا ، و إنه لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس ".
فإلى هؤلاء الأبطال المتفوقون في زمن الجهل والثرثرة ، الجادون في زمن الهزل والمسخرة نقدم لهم ألف تحية وتقدير ، وإلى من ورائهم من الآباء والأمهات البررة .