د. محمود مسعود أستاذ الفكر الإسلامي بكلية دار العلوم.
( ب- فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء)
كان يمكن أن يكون هذا الانقلاب صورة حضارة للغرب الأوربي كما كان انقلاب 23 يوليو وكما كان انقلاب يلتسن في روسيا (لم افهم المقصود وفي الكلام مدح لانقلاب يوليو)وانقلابات كثيرة مررها الغرب، فكسب الجولة وظهر في صورة المسيح المخلص، ثم منح ملياراته وشيئا كبيرا من ثروته لتستقر الأمور! وتهدأ الأحوال! وهذا ما يُظهر صورة إنسانية زائفة لثعبان خبيث يكمن لضحيته ثم يبتلعها عندما يتمكن منها! أو ثعلب ماكر يلاعب فريسته حتى إذا اطمأنت له أمكن منها، و لولا عقاب الله لهم بقدوم الفجر كما سنبين في المقال القادم لمر الانقلاب بصورة سهلة ومقبولة لدي الشعب المعمى وذلك بعرضه كأنه المخلص.
حيث يظهر في خلفية المسرح جماعة تهيمن على الحكم وتريد أن تنفرد به، وما لها فيه إلا رئيس شبه مقيد، بسبب مظاهرات تمرد وفلول الحزب الغابر، وحشود النصارى وتماهي الشعب الذي أضعفته سنوات الجوع والحرمان؛ يقول شاخت - وهو يتحدث عن إندونيسيا بعد رحيل الاستعمار- : إن الأمة التي اعتادت الركون إلى جلاديها يصعب أن تقاوم الظلم".
فيظهر عبر كل الشاشات الجنرال الحنون ينذر الرئيس وجماعته ويحثهم أن يتركوا الحكم الذي اغتصبوه رغما عن الجيش والشعب، ويظهر معه شهود الزور الذين يتحدثون باسم شعب غائب بل مغيب العقل مسلوب الإرادة !! رجال دين باعوا ضمائرهم (طيّب نوس وتواضروس) ورؤساء جند خانوا شعبهم (رجال كامب ديفيد) وقادة أحزاب كرتونية (حمدين والبرادعي وبرهامي) وقريبا شيوخ الحارة (جمعة وميزو) ثم خطباء الشعب (حسان ورسلان). هذه الشرذمة هي التي تتكلم اليوم باسم الشعب المصري البائس !! وعلى الرئيس المنتخب أن يكون وطنيا، وأن يترك الأمانة التي حملها إياه ملايين البشر إرضاء لهذه الشرذمة البائسة، وخضوعا لصوت السلاح الذي لا صوت فوقه اليوم ، إنه منطق القوة الذي يخفض الأشراف ويرفع السفهاء من الناس!!
ثم تفتح الستارة عن الأخت في الإنسانية (آشتون) وآثار الحنان تملأ جوانحها فتتودد إلى الرئيس الطيب الذي يعرف مصلحة بلاده مغرية له بالتنازل... كما تنازل الشرير مبارك السجين في ذلك الوقت. ثم لا مانع أن يعتلي الكتاتني منصة نائب رئيس الوزراء التي سيقودها البرادعي وراتبه لن ينقص عن بضعة ملايين من أرز أشقائنا، ولا مانع من وضع مليار تحت تصرف الرئيس وشلته الإخوانية، والكتاتني المؤدب سيقبل بالتأكيد أن يكون واحدا من فريق العمل العظيم مع (البرادعي وحمدين ومخيون) بحيث يتناطحون شهرا أو أكثر ثم يمل الشعب ويقبل بتسليم البرادعي الأمانة للأخت آشتون. ويصبح الإخواني سعد سر كل مشاكل البلد إن وجدت، وإن لم توجد فتفجير بسيط من معارض مجهول تكفي لاختفائه وحزبه.
والأخت آشتون متحضرة منحدرة من حضارة لم تغدر أبدا كما تعلمون، فهي لم تقتل الهنود الحمر في أمريكا، بل أنصفتهم وعلمتهم الحرية والكرامة الإنسانية، ولم تغدر بملايين الأفارقة السود وتبيعهم في الأسواق، والأخت آشتون تعلم من حضارتها الحانية على الإنسانية ما قدمته إلى المرضى وإلى المتصارعين في أفريقيا وآسيا من حنان ورقة ففصلت بين الهوتو والتوتسي في روندا، والأفغان كما نعلم جميعا ينعمون بحضارة عظيمة، فمنذ وطأت الأخت آشتون ومعها الأخت تريزا أرض الأفغان وهما تذكران الناس هناك بسلام المسيح ولينه عليه السلام وشفائه للمرضى وابرائه للأكمه والأبرص وإحياء الموتى وغيرها من معجزات الرجل الأبيض.
ولما كانت الأخت آشتون بكل هذا الحنان فعلى الرئيس أن يكون حنونا مثلها ويخرج في ثوب بهي بخطبة عربية عنترية تكون كالمعلقات السبع في نضارتها! وحسن تلاوتها وجودة معانيها: أيها الشعب الكريم علام الصراع والجنرال يحب الوطن أكثر مني! ألم يقض حياته مجاهدا في تحرير تراب البلد! ألم يخض تسعة عشر حربا في سبيل تحرير القدس ألم يزل بحنكته ومن معه ظلم مبارك! فلم يدم حاكما إلا بضعة عشر شهرا، ألم يصنع جيشا يُعد الثاني في القوة بعد جيش سليمان على السلام، ألم يوقف المخدرات فلم نسمع عن جرام واحد منها يتسرب إلى البلاد! ألم يجعل مصر سيدة العرب والعجم! ألم يطو أحزاننا بالقضاء على الفرقة بين المصريين فلم تحرق في عهده الذي ظل ستين عاما كنيسة ولا مسجدا، ألم يصبح الجنيه المصري أغلى عملة في الدنيا! ألم نؤمن الحجيج بلا أجر؛ في مكة وفي القدس كي يأت الناس من المسجد الحرام إلى الأقصى في سلام! ألم تروا مساحة مصر التي تضاعفت عشر مرات منذ ذهب الملك الغاشم، ألم تروا أكبر مصانع الأرض في ربوع مصر من الطائرات إلى أشهر الغواصات ... إذا أيها الشعب لماذا تضن على واحد ممن صنعوا كل هذه الأمجاد أن يحكمك، أعترف بأني وإخواني كنا ندغدغ مشاعركم ولم نكن نعرف قيمة هذا الجيش العظيم وعطاءه الكبير إلا لما حضرت الأخت الحانية الرقيقة آشتون.
وبعد هذا الخطاب يبكى الجمهور وتخرج الزغاريد لعودة الفراعنة بناة الأهرام يحكمون من جديد وينزوي الهكسوس (الإخوان)، فإما أن يؤمنوا بسحر فرعون أو يقتلوا، والقتل لا يكون إلا في سويداء القلب فطوبى لمن قتلهم، ما أشد نتانتهم فكأنهم تعفنوا من عصور خلت!
لكن للأسف الخطبة لم تعجب الخطيب نفسه، فلم يقبلها، فعادت أشتون أربع مرات في أربعين يوما تلين بالقول هنا وتخضع به هناك، والخطيب لا يقبل ولا يسمعون من فيه إلا : لا تصالح..لا تصالح ولو منحوك الذهب!! أترى حين أفقأ عينيك، ثم أثبت جوهرتين مكانهما هل ترى؟ هي أشياء لا تشترى.
ثم فجأة سكت وظنت أشتون أن الرئيس انحنى وإذ به يقول المذياع المذياع.. فظهر هدير رابعة: هاك رسالة الرئيس قد وصلت: يتلوها شاب فتي حوله ملايين من الشعب:
وأول بيت أقــــول أستغفــــرالله إله الـــــــــعرش لايعبد سواه
وثاني بيت أقـــول المـــــــلك لله بسط الأرض ورفــــــع السماء
وثالث بيت وصـــــى باليتــــامى وقاضى الـــعدل لا تذكــر سواه
ورابع بيت أقــــــول الله أكبـــــر على الغــــدار لا تنســــــى أذاه
....................................................
وتاسع بيت بالــــك لا تصالـــــح.. وأن صـالـــحت شكوتـــك للاله
وعاشر يبت أن خـــالفت قــولي فأنا ويـــاك لقـــــاضي القضـا
رجعت آشتون فغيرت من ملامحها ورفعت نقاب الحنان عن وجهها وكشفت عن أسنان التنين ومنقار النسر وهي تعلم أن رصاص(أموال) العرب قتلت مليونا من شعب العراق واثنين من الأفغان ومثلهم من السوريين، فلا مانع أن يكون بعضة آلاف في ربوع شعب رسم على الوجه (مغنيا) قلب الوطن .. نخيلا ونيلا وشعبا فقيرا، بشعار جميل (جوعوا لتشبع مصر) فقد فهم الشعب أن نجوع لتشبع آشتون،فلم يقبل، واعترض أن يكون تراب الوطن مجرد حضن جميل رقيق: خذني في حنانك،أليست الست هي من أطربت العرب فلولاها ما أحبوا الكنانة! فهي خير من صلاح الدين الكردي وقطز التتري وعمرو العربي هكذا تغنت محطات الست. لكن الزمن فاتك (أشتون)! فالمارد قام من نومه يبصر ويرى اضاءات الفجر وهي تنبلج وهذا ما سنسرده في المقال القادم بمشية الله.