بقلم : السعيد الخميسي :
برقية عاجلة من الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز .
* دائما الحاكم العادل يقف على باب العالم التقى الورع الذي لا يخشى فى الله لومة لائم ليستفتيه ويطلب منه النصيحة بتواضع جم وأدب كبير ولا يجد حرج ولا غضاضة ولا انتقاص من قدره ومكانته فى ذلك . ومن جانب آخر , فإن العالم الحق لايقف على باب الحاكم ولا يواريه ولا يستخفى منه . لان العالم الحق يضئ الطريق للحاكم ويضع له علامات استرشادية وهو فى طريقه الوعر , طريق الحكم وقيادة البشر . فعندما تولى الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز أمر المسلمين , أرسل رسالة عاجلة إلى الحسن البصري الورع التقى النقى يطلب منه النصيحة ليحدد له صفات الحاكم العادل حتى يكون هو نموذجا عمليا لهذا الحاكم . فإذ بالحسن البصري يكتب إليه رسالة تاريخية عظيمة وبليغة ومؤثرة تصلح لأن تكون ميثاقا ودستورا لكل حاكم حتى يرث الله الأرض ومن عليها . فماذا قال الحسن البصري لعمر بن عبدالعزيز…؟
* قال الحسن البصري ناصحا الخليفة الخامس : " اعلم يا أمير المؤمنين أن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة كل مظلوم، ومفزع كل ملهوف. "
* قال الحسن البصري ناصحا الخليفة الخامس : " والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالراعي الشفيق على إبله، الرفيق بها، الذي يرتاد لها أطيب المراعى، ويذودها عن مراتع الهلكة، ويحميها من السباع، ويكنها من أذى الحر والقر."
* قال الحسن البصري ناصحا الخليفة الخامس : " والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأب الحانى على ولده، يسعى لهم صغارا، ويعلمهم كبارا، يكتسب لهم فى حياته، ويدخر لهم بعد مماته. "
* قال الحسن البصري ناصحا الخليفة الخامس : " والإمام العادل يا أمير المؤمنين كالأم الشفيقة البرة الرفيقة بولدها، حملته كرها ووضعته كرها، وربته طفلا تسهر بسهره وتسكن بسكونه، ترضعه تارة، وتفطمه أخرى، وتفرح بعافيته، وتغتم بشكايته. "
* قال الحسن البصري ناصحا الخليفة الخامس: "والإمام العادل يا أمير المؤمنين وصى اليتامى، وخازن المساكين، يربى صغيرهم، ويمون كبيرهم، وهو كالقلب بين الجوارح، تصلح الجوارح بصلاحه، وتفسد بفساده، وهو القائم بين الله وبين عباده يسمع كلام الله ويسمعهم وينظر إلى الله ويريهم وينقاد إلى الله ويقودهم. فلا تكن يا أمير المؤمنين فيما ملكك الله عز وجل، كعبد ائتمنه سيده، واستحفظه ماله وعياله، فبدد المال وشرد العيال، فأفقر أهله وفرق ماله. "
* قال الحسن البصري ناصحا الخليفة الخامس ":واعلم يا أمير المؤمنين أن الله أنزل الحدود ليزجر بها عن الخبائث والفواحش فكيف إذا أتاها من يليها! وأن الله أنزل القصاص حياة لعباده، فكيف إذا قتلهم من يقتص لهم! واذكر يا أمير المؤمنين الموت وما بعده، وقلة أشياعك عنده وأنصارك عليه، فتزود له ولما بعده من الفزع الأكبر. "
* ما أروع وأعظم تلك النصيحة من عالم ورع وفقيه تقى إلى حاكم عادل . ما أحوج كل حكام العرب والمسلمين , حتى وغير المسلمين إلى قراءة تلك البرقية والوقوف عند سطورها , وحفظ بنودها , والعمل بمقتضاها لينقذوا أنفسهم من نار وقودها الناس والحجارة , عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون . الدنيا ساعة وستمضى هذه الساعة , وسيقف الظالم بظلمه أمام الله , وسيقف المظلوم بمظلمته أمام الله . والله عز وجل لا يحابى حاكما أو محكوما , ولا يجامل جاهلا أو عالما . لأن الكل أمام الله كأسنان المشط ومن قعد به عمله , لايقم به حسبه ولا نسبه ولا مركزه. هذه مقالتي فليقرأها ويعمل بها من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد . اللهم بلغت ... اللهم فاشهد .