بقلم : مجدي مغيرة
 
وقع الانقلاب بعد هزيمة حرب 1948 ضد عصابات اليهود من خلال مسرحية  ألَّف قصتها وأعد سيناريوهاتها وحوارَها الإنجليزُ ووليُّ عهدهم الذي سيرثُ الملكَ بعدهم  وهم الأمريكان ، وكان ملوك وأمراء ورؤساء العرب هم الممثلون الذين أتقنوا الدورَ أمام شعوبهم اتقانا ظنت معه الشعوبُ أنه حقيقة وليس تمثيلا .
 
وقع الانقلاب وقد ظن الشعب أنه تخلص بذلك من الملكية الدستورية العاجزة المهزومة أمام عصابات الصهيونية ، وتخلص من الفساد والمحسوبية ، وتخلص من الخضوع لرغبات الإنجليز الذين يفرضون عليه وزراء ورؤساء وزراء يخدمون الإنجليز أكثر مما يخدمون الشعب ،  ولم يكن الشعب يدري أنه تخلص من حفرة ليقع في دحديرة ، وأنه تخلص من الرماد ليقع بدلا منه في نار حامية لا تُبقي ولا تذر .
 
استبشر الشعب بالضباط ، وفرح بالدبابات وهي تجوب الشوارع ، وقد امتلأت أسماعُ الشعب بالأماني العِذَاب ، حيث سيتخلص من الظلم ومن الاستبداد ومن تحكم البشوات ، وسينطلق إلى الحرية والديمقراطية ، وإلى البناء والنهضة والرقي ، وانطلقت الصحف تبشر بالحرية ، وبالديمقراطية ، وبإعادة توزيع ثروات البلاد ليستفيد منها الجميع بدلا من اقتصارها على فئة قليلة ، وفي المقابل بدأت ألاعيب جمال عبد الناصر  بإحداث التفجيرات هنا وهناك ، وتأجير العمال ليقوموا بمظاهرات تطالب بإلغاء الديمقراطية والأحزاب  والحريات !!!
 
عرفنا بعد ذلك أن الانقلاب وقع ليس تخلصا من الظلم ، ولكن لأن النظام الملكي عجز عن تقديم الخدمات  التي أرادها منه الإنجليز والأمريكان لتثبيت الدولة الجديدة في قلب منطقتنا ، وهي دولة إسرائيل .
 
لقد كان تثبيت أركان تلك الدولة الوليدة يتطلب تخلصا من الرجال الذين وقفوا لها بالمرصاد وهم الإخوان المسلمون  الذين حاربوها  وانتصروا عليها ، و ولم تستطع التخلص منهم إلا من خلال حكام مصر  ، تتعجب حينما يتم حل جمعية الإخوان المسلمين والقبض على أعضائها  أثناء قتال رجالهم لليهود في فلسطين ، ويعود المجاهدون الذين حققوا تلك الانتصارات إلى السجون بدلا من تكريمهم والاستفادة من خبراتهم .
 
عجز الإنجليز – بالتعاون مع النظام الملكي - عن القضاء عن الإخوان المسلمين ، وأتى عبد الناصر فأعدمهم وملأ بهم سجون مصر ومعتقلاتها .
 
عجز الإنجليز عن فصل السودان عن مصر ، وأتى عبد الناصر ففصلها .
 
لم يستطع اليهود في دولتهم الجديدة إيجاد ممرات بحرية لهم في البحر الأحمر ، وحقق لهم عبد الناصر تلك الأمنية بعد  حرب العدوان الثلاثي عام 1956م .
 
ورث جمال عبد الناصر دولة غنية دائنة لمستعمريها ، وتركها دولة فقيرة مدانة ، ولم تستطع حتى الآن أن تتخلص من ديونها ، بل تزداد تلك الديون عاما بعد عام ، ليس من أجل الاستثمار وتنفيذ المشاريع ، بل من أجل ملء حسابات العسكر  ومنافقيهم بالأموال الحرام .
 
حكم عبد الناصر شعبا يكثر فيه عدد المثقفين والمفكرين والعلماء ، شعبا بدأ يتعافى من تخلفه ، ومن خوفه ، فزرع فيه الخوف مرة أخرى ، وأهان العلماء والمفكرين ، وقرَّب إليه الفنانين والمغنين وكذابي الزفة ،  ودمر منظومة التعليم باسم العمل على رقيها وأصبح الآلاف  يتخرجون من الجامعات  وينتظرون دورهم في وظيفة لا تأتي إلا بعد سنين عديدة ، وفي الغالب تأتيهم وظائف لا تمت لتخصصاتهم بصلة ، وتأتيهم بعد أن تقدموا في السن لدرجة تجعلهم عاجزين عن البحث عن عمل آخر كريم ؛ فيرضون بعمل إضافي بسيط ، أو يلجأون إلى الرشوة والاختلاس ليتمكنوا من الإنفاق على أسرهم ، واستكمل عمليات تخنيث الأزهر ، و دمَّر الزراعة باسم إعادة توزيع ملكية الأراضي .
 
أدار عبد الناصر حكم البلد من خلال المنافقين وأصحاب العقد النفسية الذين لا يتقنون سوى الكذب والخداع وتلفيق الاتهامات وسرقة مقدرات البلاد ، وأزاح أصحاب الكفاءات والمهارات  الذين لم يجدوا مكانا لهم في مصر سوى في جهنم المعتقلات أو الوظائف الحقيرة التي لا تناسب قدراتهم ، فانكمشوا على أنفسهم يلعقون جراحهم ، أو يبحثون عن مخرج لهم إلى  الخارج .
 
بدلا من أمجاد النهوض بالبلد في مختلف المجالات ، اهتم عبد الناصر بأمجاد وهمية صنعتها له أغاني أم كلثوم وعبد الحليم حافظ والأفلام السينمائية والمسلسلات الإذاعية والمباريات الرياضية .
 
فماذا كانت النتيجة ؟!
 
كانت النتيجة هي انحطاط عام في جميع مناحي حياتنا
 
-          تربى الناس على الخوف ، وتجسس بعضهم على بعض لصالح النظام ، وتفشت فيهم الأخلاق الذميمة كالنفاق واللؤم ، وضعفت الهمم وصار أقصى أمنية يتمناها الكثيرون هي وظيفة حقيرة يستغلونها من أجل السطو على حقوق الآخرين .
 
-          هزائم عسكرية ثقيلة { في حرب العدوان الثلاثي عام  56م  – واليمن – وحرب 67 } أضاعت الجيش ، وقتلت المئات من جنوده وضباطه دون أن نثأر لهم حتى الآن .
 
-          تخلف صناعي وتجاري وزراعي وعلمي وثقافي .
 
-          فساد أخلاقي يزداد مع الوقت .
 
وإذا كان انقلاب عبد الناصر قد أدى إلى كل هذه الكوارث ، فإن ما يقوم به السيسي وعصابته الآن سيقودنا إلى ما هو أسوأ من ذلك .
 
إن بقاء تلك العصابة في  حكم البلاد يعني مزيدا من القمع ،  وبيع البلاد إلى إسرائيل ومن خلفها .
 
 فهل سنخضع لهم ؟!
 
هل سنرضى ببقائهم على كرسي الحكم ؟!
 
إن الحرية دائما لا تأتي للجالسين المنتظرين أن يأتيهم الفرج بأيدي غيرهم .
 
لم نسمع أبدا أن ترك الطغاة الحكم برغبتهم وبرضاهم ، بل يُنْتَزع منهم نزعا ...كما قال الله تعالى : " وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ " .
 
لم يحدث أبدا أن الله تعالى نصرا قوما دون أن يقوموا بما عليهم أن يقوموا به : " قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ " .
 
لم يحدث أبدا أن حصل شعب على حريته وكرامته دون تضحيات .