د. محمود مسعود
أستاذ الفكر الإسلامي بكلية دار العلوم.
 
 
( أ- قال هذا رحمة من ربي)  
يمل الناس من الاصلاح كلما زاد الفساد وطال كل شيء حتى ذوات المصلحين؛ فلكونهم بشر يصيبهم وهم يسيرون في ضرب الإصلاح من الفساد أطرافا وشظايا، وكلما زاد مشربهم منه تأخر الإصلاح وأشد ظهور الفساد عندهم؛ حظ نفس وتعالٍ بما أُنجز. كما أن الملل يزيد مع تأخر النصر وتباعد بشرياته وليس الغرض من هذا المقالات إلا  بعض دلالات للظلام وتنبيهات للفجر.
- أن يكون في كل أمة وجماعة عدد من الفاسدين أو متأثرين بالفساد فهذا ما لم تخلو من جامعة بشرية قط، خلا بعض الأفراد ومن هؤلاء بلا ريب الأنبياء ومن اقترب منهم والتصق بهم (حواريين وصحابة مقربين).
- وأمة محمد صلى الله عليه وسلم أقل الأمم فسادا (كنتم خير أمة) وليس فقط الصحابة، بل مجموع الأمة المحمدية خير الأمم والدليل ما نراه في خريطة العالم المتحضر اليوم؛ التي تتصدرها عناوين براقة عن رفعة الجانب الإنساني وحقوق الإنسان والحريات ورفع الظلم ومقاومة الاضطهاد ورفع المعاناة عن الإنسان أيا ما كان؛ فالأوربيون والأمريكان ومن يوالهم فكرا أكثر من يدعون هذا ويطنطنون بها في كل مناسبة، لكن جميعهم لا ينظر للإنسان هذه النظرة الحانية التي ينظرها المسلم البسيط الفقير.
- فحين ينقذ المسلم غريقا أو جائعا أو يكسو عريانا أو يرد أمانة وجدها أو غير ذلك لا ينتظر شكرا ولا تقديرا ولا جائزة، بل يفعل لكونه إنسان مسلم فحسب، وهو أي المسلم هندي أو صومالي أو غيره مظلوم ومضطهد ومحروم من حريته ومن أبسط حقوق إنسانيته. في حين يفعل ذلك الأوربي وهو يعيش حياة هانئة وسهلة ومنظمة فمن يكون أكثر خيرية؟ 
- وفي حين يتبرع المسلم بشق دولار فرحا لاقتسامه مع فقير يتبرع الأوربي بمليون من ملايين عدة يعلم يقينا أنه لن يستفيد بها في حياته فمن يكون من بينهم أكثر خيرية؟ والأمثلة لا تحصى في بيان إنسانية المسلم البسيطة السهلة المتدفقة وإنسانية الغربي المركبة والمعقدة التي ترى رقتها وقسوتها في الآن ذاته. 
- فأشقاؤنا في الإنسانية من الغربين وهم في عز قوتهم وقدرتهم العسكرية والسياسية والاقتصادية لم نر لهم تمتمة ولا همهمة وعقود من الظلم والجور تمر أمام أعينهم هنا وهناك (هذا إذ لم يشاركوا فيه من الأساس)- في فلسطين المغتصبة، وفي حلب الأسد 1982، وفي عراق صدام وعراق ما بعد صدام، وفي ليبيا القذافي وليبيا حفتر وفي سوريا بشار ومصر السيسي، ويمن الحوثي، بل لم نسمع لهم صوتا وإخوانهم في الإنسانية يبادون في بروندي وروندي أو في كشمير وآراكان، بل حتى في بلاد ليس أغلبها من غير المسلمين مثل بتسوانا وسوازيلاند وزيمبابوي وزامبيا وناميبيا الناس يموتون من الأمراض التي علاجها لا يكلف الغرب إلا فائض شركات الأدوية عنده.
-   فلو أراد الله لكان للغرب دور كبير في هذا وذاك، هنا وهناك، ولسادات عقائدهم وأفكارهم الكون كله، فالبشر يدينون بالولاء لمن أعطاهم رغيفا يابسا فكيف بمن علمهم صنعه وحسن تدبيره طريا هنيا، لكن الله لا يصلح عمل المفسدين؛ فالذين شاركوا  في تدمير البيت الإنساني بأن جعلوا حصنه (وهو المرأة) مبذولة لمن شاء، والذين عاندوا الذات العلية فكلما علموا من أمرها خيرا حاربوه، فاكلوا الخنزير الذي حرمه كتابهم المقدس وأهانوا الحيوان بذبحه ضربا وفرمه حيا، وعظموا الجنس الآري وعبدوا أنفسهم؛ لا يمكن أن يكون نور البشرية وخيرها الدائم.
- فالغرب الذي حلل تراب الأرض ومياه البحار وذرات القمر أكان يعجزه تحليل التراث الديني بحياد ويقبل ويرفض منه بحياد؟ أم هي الأنانية التي جعلته موضوعيا في كل شئ إلا مع الله، ومع كتب الله ورسل الله، كنت أرجو أن يفعل الغرب المتحضر ذلك في جامعاته ومعاهده وحينها سنقبل نتائجه الموضوعية راضين ولما لم يفعل، أخذنا نبحث عن شذرات هنا وهناك لنبين جزءا من موضعيته التي غابت في هذا الجانب وأضحى المنصفون منهم شذرا في بحر الغش والتدليس.
- ولما ضيع الغرب الفرصة التي منحها له خالق الكون لأن يكون سيدا للإنسانية عصورا رتب الله من تدبيره عودة أمة طالها النسيان كثيرا (أمة الخيرية) وعرفها طريقها وبين لها بجلاء وعورة الطريق وأن حمل الأمانة ليست نزهة خلوية ولا خطبة عنترية على منابر بهية. 
- إذا فلا فجر إلا بظلام دامس يسبق طلوعه، فكاد الظلام يدفع البشرية للانتحار في أغني بلاد العالم (السويد) كما في أفقر بلاد العالم (سويرنام) وفي أقوى بلاد العالم (أمريكا) إلى أضعف بلاد العالم (تنزانيا) وفي أكثر بلاد العالم حرية (سويسرا) إلى أكثرها دكتاتورية (كوريا الشمالية ثم مصر السيسي). أترى ينتحر الإنسان وفي قلبه أمل! فما الانتحار إلا بسبب ظلام غطى  أي أمل وقطع كل رجاء!
- إذا لا فجر إلا بجهد وتعب، فالنائم في الظلام لا يستيقظ إلا مضطرا ولا يستيقظ إلا لحافز حقيقي وأي حافز أكبر من أن تكون سيدا في الدنيا وسيدا في الأخرة. ومن ينال هذا الشرف أكثر من شهيد أو مجاهد بماله وقته؛ فالأول سجل اسمه في الفائزين والثاني استمر يمضى نحو النور رغم كل العقبات ربما يكون أقلها السجن.
- ثم أنه كان يمكن أن يكون هذا الفجر كاذبا، لو ظل فيه أمثال برهامي وحسان بشهوى الشهرة والتمرغ في حلاوتها بلا ثمن أو بثمن المشيخة وإمامة المسلمين (طيبنوس والمُلا جمعه)، أو بحضن الظالم ليسارية حمدين هُس، وليبرالية برادعي تويته.
- كان يمكن أن يكون الفجر كاذبا لو استمر السيسي يقود جيش الكنانة بخطاب وردي من الموساد العصري، ومفاصل أبناء مبارك تحرك المصانع والمتاجر وتحكم الحارة والغِفارة.
- كان يمكن أن يكون الفجر كاذبا لو بُني على أموال القمار وتجارة النساء أو ما جاء من غسيل الأموال وأرز الشحاذة.  
- كان يمكن أن يكون الفجر كاذبا ولميس تروج له ومحمود سعد يهيص به وأديب يتغنى معه وعكاشه مفكره الهمام.
- كان يمكن أن يكون كاذبا لو أصبح باسم عودة ممثل جيل الشباب وزيرا راغبا لا راغما.  
- ولما لم يوجد شيء من هذا فنحن على أبواب فجر جديد سنكشف خطوطه في المقال الثالث بشرط أن يحفظ الله أصحاب الفجر من ست محطات وهي:  
1- داعش وجنون قياداتها وبعدهم عن ضوء الإسلام الذي وهبه الله للإنسان طريقا حنيفا، 2- نفاق حسان وأمثاله وسرعة تقلبهم حيث يرون بوصلة المنافع والمكاسب، 3- تردد من يتردد في القصاص، شفقة على الظالمين أمثالي، 4- استعجال الجوعى لجلب الطعام قبل التأكد من سلامته من السم القاتل، 5- هوى المتعصبين للفجر ذاته، فالفجر وسيلة للضوء وليس هو الضوء. إنما الضوء إنسانيتك أيها الإنسان المسلم، 6- مكر الأعداء وهو أقلهم خطرا على المدى البعيد. وفي المقال الثاني بمشية الله نكشف أسباب الملل وفي الثالث نجلي اضاءات الفجر.