بقلم : وليد شوشة
 
امتلئ أول مسجد بٌنى في مصر وشمال افريقيا- مسجد عمرو بن العاص- الذى بناه سيدنا عمرو بن العاص بعد الفتح الإسلامي لمصر بمدينة الفسطاط –مصر القديمة – بالمصلين الذين أتوا من كل حدب وصوب ليحيوا ليلة السابع والعشرين من رمضان – ليلة القدر- كما يعتقد كثير من المسلمين، بالصلاة والدعاء والذكر. فروا إلى الله يطلبون منه المغفرة والرحمة، فهنا ك سٌكبت العبرات ،وعلت الاصوات بالتأمين وراء القارئ الشيخ محمد جبريل الذى رفع أكف الضراعة الى الله أن يلطف بالأمة ، وينتقم من كل من قتل وسفك الدماء ، كما دعا الله أن ينتقم من سحرة فرعون – الاعلاميون المجرمون-  الذين يٌزينون الباطل ، ويخدعون الناس ، ويلعبون بعقولهم ،ويضللونهم. لم يفعل الشيخ أكثر مما يفعله كل عام في نفس المكان ، وكما يفعله ملايين المسلمين في كل بلاد الله في هذه الذكرى العطرة المباركة.
 
وما أن انتهى الشيخ من دعائه حتى نادى فرعون في المدينة فانفجرت البالوعات بالقاذورات ، وأخبث  وأنتن الالفاظ في حق الشيخ الجليل ، وهب السحرة ، ولسان حالهم يقول: إن لنا لأجرا لو أوقفنا هذا الشيخ عن عمله لتطاوله على فرعوننا ، وكنا نحن الغالبون. فقال لهم فرعون : نعم ، وإنكم لو فعلتم لمقربون.
فنادوا على خفير الأوقاف ، فقام مذعورا ترتعد فرائصه ، وترتعش أطرافه ، وأخذ يقول بعدما علم بالخبر:" من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الظالمين" ، وأخذت دماغه تودى وتجيب ، ويقول يا دى الليلة السودا على راسى ، جبريل ودانا فى دهية، فربط الشيطان على كتفه ، وقال : لا تخف كل مشكلة ولها حل ، وسيئاتك عندنا كتير، وأعمالك الاجرامية تشهد لك ، وتاريخك السيء في الوزارة يشفع لك .
 
قال له الخفير وما المخرج ؟ قال الشيطان : اغضب واعمل نفسك زعلان ، وأوقف ذاك المجرم –
"إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ"                       جبريل – الذى تطاول. واعلن على الملأ
وامنعه من السفر، وقدمه للتحقيق على الفور، واوقفه عن الامامة ،والقراءة ، والدعاء . 
فاستجاب له ،وأخذ ينادى فى وزارته "أن امشوا واصبروا على آلهتكم إن هذا لشيء يراد".
لقد أراد أن يخرص تلك الأصوات المكلومة عن الدعاء والاستغاثة بالله البر الرحيم ، بعدما أسكت ذويهم وقتلهم بالرصاص ، حتى صوت المقتول لا يحب أن يسمعه يبث شكواه لخالقه العادل . لقد ظن ذلك الخفير الجاهل بأنه بذلك المنع والتحويل للتحقيق؛ قد حال بين الله وبين دعوة المظلوم. ظن أنه استطاع منع الدعوات من أن تٌرفع لخالقها بالشكوى ،وأعمى الظلم بصره وبصيرته عن أن الله يسمع ويرى ، يسمع كلامهم ، ويرى مكانهم ، ولا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. فلو استطاع الظالم أن يٌسكت صوت الشيخ بالجهر بالدعاء على الظالمين ، فلن يستطيع أن يٌسكت أصوات الثكالى والأرامل والأيتام والمعتقلين والمشردين ، وهم يستغيثون بالله فى سرهم وجهرهم ، في ليلهم ونهارهم.
 من يستطيع من عباد الله أن يحول بين الله وبين عباده؟؟روى ابن عباس –رضى الله عنهما –أن النبي – صلى الله عليه وسلم – بعث معاذا إلى اليمن ،وقال له : "اتق دعوة المظلوم ، فإنها ليس بينها وبين الله حجاب " رواه البخاري ومسلم.
 
لكن هؤلاء الخفر-علماء السلطان- لا يعون ذلك ، ومثلهم كمثل من وصفهم الشاعر أحمد مطر: 
 
قال لنا أعمى العميان
تسعة أعشار الإيمان
في طاعة أمر السلطان
حتى لو صلى سكران
حتى لو قتل الغلمان
حتى لو أجرم أو خان
حتى لو باع الأوطان
أنا حيران ... فإذا كان ..
فرعون حبيب الرحمن
والجنة في يد هامان
والإيمان من الشيطان
فلماذا نزل القرآن ؟؟
ألِكَيْ يهدينا مسواكا
نمحو فيه من الأذهان
بدعة معجون الأسنان؟؟
أم ليفصل دشداشات
تشبه أنصاف القمصان؟؟
ألذلك قد أنزل ؟ كلا ..
ما أحسبه أنزل إلا ..
ليحرم قتل الانسان
 
وهؤلاء لا يمكن أن يوجدوا الا فى مثل هذه البيئة من النفاق والاستبداد لأن "الحكومة المستبدة تكون طبعاً مستبدة في كل فروعها : من المستبد الأعظم إلى الشرطي ، إلى الفراش ، إلى كناس الشوارع ؛ ولا يكون كل صنف ألا من أسفل أهل طبقته أخلاقاً، لأن الأسافل لا يهمهم طبعاً الكرامة وحسن السمعة، وإنما غاية مسعاهم أن يبرهنوا لمخدومهم بأنهم على شاكلته، وأنصار لدولته، وشرهون لأكل السقطات من أي كانت ، ولو بشر أم  خنزير، آبائهم أم أعدائهم ، وبهذا يأمنهم السلطان ويأمنونه فيشاركهم ويشاركونه ، وهذه الفئة المستخدمة يكثر عددها ويقل حسب شدة الاستبداد وحنقه ، فكلما كان المستبد حريصا على العسف احتاج الى زيادة جيش المتمجدين من أسفل المجرمين الذين لا أثر عندهم لدين أو ذمة ، واحتاج لحفظ النسبة بينهم في المراتب بالطريقة المعكوسة وهى أن يكون أسفلهم طباعاً وخصالاً أغلاهم وظيفة وقرباً ، لهذا لابد أن يكون الوزير الأعظم للمستبد هو اللئيم الأعظم في الأمة .
 
..إن وزير المستبد هو وزير المستبد لا وزير الأمة كما في الحكومات الدستورية .كذلك القائد  يحمل سيف المستبد ليغمره في الرقاب بأمر المستبد لا بأمر الأمة؛ بل هو يستعيذ من أن تكون الأمة صاحبة أمر ، لما يعلم من نفسه أن الأمة لا تقلد القيادة لمثله. كما قال الكواكبي في طبائع الاستبداد.
 
فإلي هؤلاء المستبدون الأغبياء الظلمة الذين يمنعون مساجد الله أن يٌذكر فيها اسمه ، ويسعون في خرابها  "ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه وسعى في خرابها أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين لهم في الدنيا خزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم" 114 سورة البقرة.