بقلم: أبو جهاد
 
يتساءل الكثير عن جدوى الحراك الثوري بعد عامين من الانقلاب، وما حققه للثورة منذ الانقلاب العسكري الغاشم في 3 / 7 / 2013 ، وهل هذا الحراك قادرٌ علي كسر هذا الانقلاب الدموي في ظل حملة التضييق والملاحقة والتصفية للمعارضين ، وصدور أحكام الإعدام بصورةٍ لم تشهدها أعتى دول العالم ديكتاتورية؟ وهل طاب للسيسي البقاء واستتبّ له الأمر؟وهل ملك زمام الأمور فلم يعد للحراك الثوري أي نفع؟وهل لم يعد للمقهورين والمظلومين سوي التسليم له بالأمر الواقع؟.
تكمن الإجابة عن كل هذه الأسئلة وغيرها في البحث عن ثلاثة نقاط جوهرية نخلص معها عما إذا كان الأمر قد استتبّ للسفاح من عدمه.
النقطة الأولي: الاستقرار الاقتصادي:
عمد الانقلابيين علي تشويه صورة الرئيس مرسي وتصدير الأزمات الطاحنة له، وخلق المعوقات التي تجعل الناس تتأفف من حكمه، وتحكم عليه بالفشل في أول عام له علي حكم البلاد، رغم نجاحات كثيرة حققها في شتى المجالات ،واستغل السفاح إعلامه المجرم في تغييب الوعي عند جمهور الناس حتى انقضَّ عليه في انقلاب دموي غاشم في 3/7/2013.
ودارت الأيام دورتها والسفاح يقود البلاد من فشل إلي فشل علي كافة الأصعدة، ومن أهمها الفشل في إصلاح المنظومة الاقتصادية رغم الدعم الهائل من الدول المؤيدة له دوليا وإقليميا، وكمية " الرز " التي انهالت عليه من دول الخليج.
فقد وضح لمؤيديه قبل معارضيه أنه نظامٌ هشٌ ضعيفٌ ،ليس له رصيد علي أرض الواقع ،تعتمد آلياته في الإصلاح علي قمع المعارضين وتصفيتهم، وهو ما يتنافي مع البيئة الآمنة لرؤؤس الأموال التي تنشد الأمن والاستقرار.
ونجح الحراك الثوري في شل حركة الانقلاب، وإصابته في مقتل ، فلم يعد الأمر قاصراً علي اعتصام هنا وهناك، بل امتد الحراك من العاصمة إلي كافة القرى والنجوع علي مستوي القطر المصري، ولم يصمت صوت الثورة الهادر يوماً واحداً منذ الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب، رغم الجراح والآلام ، والتضييق والملاحقة ،والاعتقال والتصفية ، والتهديد بتنفيذ أحكام الإعدام الجائرة.
الأمر الذي أفقد الانقلابيين صوابهم ، فعمدوا علي تشديد القيود الأمنية ، وفرض مزيد من الإجراءات القمعية ،مما تسبب في وقف عجلة الإنتاج ،وهروب رأس المال الأجنبي ،وفشل المؤتمر الاقتصادي رغم الإعداد والتحضير له منذ أكثر من عام مضي ، وانسحاب كثير من الشركات العملاقة التي تعمل في مصر، وزيادة الدين العام،وعجز الموازنة العامة بواقع 261.8 مليار جنيه خلال العام المالي المنصرم ، وموجة الغلاء التي تضرب البلاد طولا وعرضا.
والأهم من ذلك إحجام الكفيل الخليجي عن توريد كميات " الرز " بعد ما تبين له كذب وخداع مكفوله،الذي أوهم كفيله علي قدرته الخارقة في بسط الأمن والتخلص من جماعة الإخوان خلال أيام قليلة من الانقلاب علي سيده، واستتباب الأمر له.  
 
 
 
 
النقطة الثانية: الاستقرار السياسي:
أغلق السفاح منذ الانقلاب الغاشم في 3/7/2013 كل نوافذ الحل السياسي ، ولم يلح في الأفق أي بادرة سياسية لهذا الحل، فقد أعمل جهده علي تكميم أفواه المعارضين السياسيين علي اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
وكشف الانقلاب الدموي سوءة من كانوا يتغنون بالديمقراطية الزائفة ممن يسمون أنفسهم نشطاء سياسيين
وغيرهم من لاعقي البيادة ،وعاد الأمر بالجميع إلي حكم الفرد الواحد ،وامتلك السفاح سلطة التشريع، وأضحي الآمر الناهي، بل أحكم قبضته علي كل من أيده من أحزاب وتيارات،وتترس بأذرعه القوية من جيش وشرطة وإعلام وقضاء،للنيل من المعارضين السياسيين والزج بهم في غياهب السجون.
الحراك الثوري وأنشودة الحرية:
مش هنركع .... مش هنطاطي ... أنا مش هرجع ... إلا بصوتي ... أنشودة الحرية التي تغني بها الثوار في طول البلاد وعرضها رغم القتل والتشريد.
وقد ساهمت أنشودة الحرية في كسر حاجز الخوف عند جمهور الناس ،ودوت صوت الزغاريد تزف جثامين الشهداء في صورة أبهرت الجميع، وخططت لمرحلة جديدة من التضحية والفداء حتى الخلاص من هذا السفاح وانقلابه. 
النقطة الثالثة: الاستقرار الاجتماعي:
لعل من أهم الجرائم التي ارتكبها السفاح وترقي إلي مرتبة الخيانة العظمي ، نيله من البنية التحتية للمجتمع المصري، وجعل أهله شيعا وجماعات ،وإحداثه هوة عميقة بين أفراده ، وتأجيج روح العداوة والبغضاء بين الأقربين ،رغم ما عرف عنهم من رحمة وتسامح ، والعمد علي تقسيم الوطن إلي فريقين " إحنا شعب وانتو شعب " ،وخلق طبقية مَقيتة " السادة والعبيد " كما قال زندهم.
ووجد الثوار أنفسهم في بداية الانقلاب أنهم في عزلة عن الشعب الذي لطالما ضحوا بأوقاتهم من أجل إسعاده وهنائه، ونالهم الأذى من القريب قبل البعيد، والصديق قبل العدو.
بيد أن الحراك الثوري نجح في معركة الوعي ، والحفاظ علي السلمية رغم كل ما تعرض له من إيذاء ، وأجهض  كل محاولات شق الصف ، وعاد كثير من مؤيدي السفاح إلي عقولهم ، وندموا علي تأييدهم له ، بل إن  كثيرين منهم انضموا إلي صفوف الثوار وأضحوا من الداعمين لهم.
ولا زالت الثورة تعمل جاهدة علي استرداد كامل الوعي لهذا الشعب المغيب، في معركة ستنتصر في نهايتها إرادة الثوار.
خلاصة القول:
أن الحراك الثوري نجح إلي حد بعيد في استئصال البنية التحتية للانقلابيين، فلم يحقق لهم ما تمنونه من شق الصف المجتمعي، والسطو علي الوطن ، والقضاء علي جماعة الإخوان المسلمين ، ووقف الحراك الثوري في الشارع ، وفشلهم في إصلاح المنظومة الاقتصادية، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين،ولم يعد أمامهم سوي التسليم لهذا الشعب بحريته الكاملة غير المنقوصة، وحقه في اختيار من يمثله.
ويجب علي الثوار الاستمرار في حراكهم الثوري مهما كانت الظروف والنتائج، وتوسيع بؤرة الاحتجاجات وابتكار أساليب جديدة للسلمية ( المبدعة ).
ولعل من واجب الوقت الآن التحضير الجيد لعصيان مدني عام، ومن أهم عوامل نجاحه إيمان الجميع بضرورة المشاركة في معركة تغيير الوعي .