المستشارعماد أبوهاشم
 
السند القانونى الوحيد الذى تركن إليه السلطات الألمانية لاستيقاف الإعلامى المصرى أحمد منصور بموجب مذكرة التوقيف التى بعثتها سلطةُ الانقلابِ فى مصر إلى منظمة الشرطة الجنائية الدولية " الإنتربول " هو الاتفاقية الدولية المعروفة باسم القانون الأساسى والنظام العام للشرطة الجنائية الدولية والتى تضم مائةً وتسعين دولة من بينها مصر وألمانيا وذلك بعد الأخذ فى الاعتبار أنه لا تُوجَد اتفاقياتٌ ثنائيةٌ بين الدولتين فى مجال تسليم المتهمين والمحكوم عليهم .
 
وإذ جرى نص البند ( أ ) من المادة ( 2 )  فى تلك الاتفاقية على أن يكون من بين أهداف الشرطة الجنائية الدولية  " تأمين وتنمية المساعدة المتبادلة على أوسع نطاق بين كافة سلطات الشرطة الجنائية فى إطار القوانين القائمة فى مختلف البلدان وبروح الإعلان العالمى لحقوق الإنسان " ، وهو ما يتبين معه أن تطبيق تلك الاتفاقية وتفسير نصوصها يكون فى إطارٍ توافقىٍّ مع نصوص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان ، وأن أىَّ تعارضٍ بينهما تكون الغلبة فيه للأخير بما يشكل مانعًا يحول دون تسليم المطلوب تسليمهم .
 
وإذ أورد الإعلان العالمى لحقوق الإنسان بنص المادة الخامسة منه : أنه "  ﻻ ﻳُﻌﺮَّﺽ ﺃىُّ ﺇﻧﺴﺎﻥ ﻟﻠﺘﻌﺬﻳﺐ ﻭﻻ ﻟﻠﻌﻘﻮﺑﺎﺕ ﺃﻭ ﺍلمعاملات ﺍﻟﻘﺎﺳﻴﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻮﺣﺸﻴﺔ ﺃﻭﺍلحاﻃﺔ ﺑﺎﻟﻜﺮﺍﻣﺔ. "  ،  وأورد - أيضًا - بنص مادته السابعة : أن "  كل الناس سواسية أمام  القانون ولهم الحق فى التمتع  بحماية  متكافئة عنه دون أية  تفرقة ،  كما أن لهم جميعًا الحق فى حمايةٍ متساويةٍ ضد أى تمييزٍ يخل بهذا الإعلان وضد أىِّ تحريضٍ على تمييزٍ كهذا " ، كما أورد بنص مادته التاسعة   أنه " ﻻ يجوز القبض على أىِّ إنسانٍ أو حجزه أو نفيه تعسفًا " وأورد - كذلك - بنص مادته العاشرة أن "  لكل  إنسانٍ الحق - على قدم المساواة التامة مع  الآخرين - فى أن تُنظَر قضيتُه أمام محكمةٍ مستقلةٍ نزيهةٍ نظرًا عادلًا علنيًا للفصل فى حقوقه والتزاماته وأية  تهمةٍ جنائيةٍ إليه تُوجَّه . " 
 
فإنه - وبناءً على ما تقدم - إذا ثبت بالدليل القاطع وفق ما انطوت عليه تقارير منظماتٍ معنيةٍ بالقضاء وحقوق الإنسان حكوميةٍ وغير حكوميةٍ ، وفيما تناوله الرأى العام العالمىِّ على وجه العموم والرأى العام داخل دولة ألمانيا على وجه الخصوص من رفضٍ واسعٍ لأحكام الإدانة الصادرة فى حق الدكتور محمد مرسى الرئيس المنتخب لجمهورية مصر العربية وأنصاره بعقوبة الإعدام وبعقوباتٍ أخرى مغلظةٍ وقاسيةٍ تتجافى مع الحق والعدل ومن انتقادٍ شديدٍ لإجراءات المحاكمات التى صدرت فيها تلك الأحكام والتى خالفت المبادئ المستقرة فى الأنظمة القانونية للمحاكمات الجنائية ، وقد تلاقت تلك التقارير الحقوقية الصادرة عن كياناتٍ محل ثقةِ واحترام الجميع مع ما يسود الشارع القانونىَّ الدُّولىَّ على أن القضاء يتعامل بغير حيادٍ مع رافضى نظام الحكم القائم فى مصر وأنه يفتقد النزاهة والاستقلال إلى الحد الذى دفع الكثيرين إلى وصفه بأنه أحد أذرع سلطة العسكر فى مصر .
 
وإذا كان القضاء فى مصر قد كشف بتصريحات كبار مسئوليه وبتصرفات قضاته انحيازَه الكامل للإطاحة بمرسى ونظامه معتبرًا نفسه أحد أدوات اللعبة السياسية  فى مصر ، بل إنه شارك فى المشهد الانقلابىِّ بدورٍ فاعلٍ مؤثرٍ ، وتبنى - فى الواقع العملى - تنفيذ سياسةً تمييزٍ عنصرىٍّ تقوم على أساسٍ عقائدىٍّ طبقىّ راديكاليٍ أعلن عنها النظام الحاكم فى مصر باعتبارها أحد ركائز حكمه ، وقد تجلت تلك السياسة فى استخدام النظام للقضاء كأداةٍ للزج بكل خصومه ومعارضيه إلى السجون والمعتقلات وحبال المشانق وفى المقابل تبرئة كل رموز ورجال نظام مبارك من التهم التى وُجهَت إليهم والتى قامت الثورة فى مصر من أجل التخلص من مرتكبيها وذلك بتطبيقٍ نصوص القانون فى إطارٍ انتقائىٍّ انتقامىٍّ ظالم  ، وهو ما يمكن تسميته اصطلاحًا بالملاحقات القضاسياسية أو السياقضائية .   
 
لذلك فإن إقدام السلطات الألمانية على تسليم الإعلامى أحمد منصور إلى الجانب المصرى يفتقد سند الشرعية ؛ ذلك أن تطبيق وتفسير نصوص القانون الأساسى للإنتربول الدولى مقيدٌ - كما أشرنا سلفًا - بمبادئ ونصوص الإعلان العالمى لحقوق الإنسان والتى يخالفها نظام حكم العسكر الديكتاتورىِّ فى مصر ، بل ويضرب بها عرض الحائط بشكلٍ شبه يومىٍّ ولاسيما فى المحاكمات السياسية  الغير عادلة التى ينتهجها ضد رافضيه ومعارضيه وفى جرائم التعذيب والعنف التى يرتكبها  قبلهم داخل السجون والمعتقلات ، وفى أعمال القمع الوحشية التى يمارسها لتفريق الاحتجاجات والمظاهرات المناوئة له ، وفى النهاية فإنه  بتسليم منصور إلى السلطات المصرية سيسقط بقوة القانون - وفقًا للقانون المصرى -  الحكم الغيابىُّ الصادر بإدانته لتُعاد إجراءات محاكمته من جديد فى ظل  افتقار القضاء المصرى إلى الحياد والاستقلال الواجب توافرهما فيه ، ومن المؤكد احتمال تعرضه - فى ظل غياب دولة القانون - لأعمال تعذيبٍ بدنىٍ بدافع الانتقام منه أوالتنكيل به أو لحمله على الاعترافِ بارتكابه هو أو غيره جرائم معينةً أوغير ذلك من الدوافع التى لا يتورع عنها نظام الانقلاب فى مصر، الأمر الذى يضحى معه طلب تسليمه مفتقدًا أحد أهم الشروط اللازمة لتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم ألا وهو شرط  مراعاة الدولة طالبة التسليم أحكام ونصوص الاعلان العالمى لحقوق الإنسان على نحو ماسلف بيانه .   
 
وليس من نافلة القول أن أذكِّر بما نص عليه البند ( 1 / هاء ) من المادة  ( 7 ) من النظام الأساسى للمحكمة الجنائية الدولية  من أنه ك "  1-  لغرض هذا اﻟﻨﻈﺎم اﻷﺳﺎﺳﻲ ، ﻳﺸﻜِّﻞ أي ﻓﻌﻞ  ﻣﻦ اﻷﻓﻌﺎل اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ " جريمة  ضد اﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ  " ﻣﺘﻰ ارتكبت ﻓﻲ إﻃﺎر هجومٍ واﺳﻊ اﻟﻨﻄﺎق أو ﻣﻨﻬﺠﻲٍّ موجهٍ ضد أﻳﺔ ﻣﺠﻤﻮﻋﺔٍ ﻣﻦ اﻟﺴﻜﺎن اﻟﻤﺪﻧﻴﻴﻦ ، وﻋﻦ ﻋﻠﻢ ﺑﺎﻟﻬﺠﻮم :  (هـ )     اﻟﺴﺠﻦ أو اﻟﺤﺮﻣﺎن اﻟﺸﺪﻳﺪ ﻋﻠﻰ أي ﻧﺤﻮ ﺁﺧﺮ ﻣﻦ اﻟﺤﺮﻳﺔ اﻟﺒﺪﻧﻴﺔ ﺑﻤﺎ ﻳﺨﺎﻟﻒ اﻟﻘﻮاﻋﺪ اﻷﺳﺎﺳﻴﺔ ﻟﻠﻘﺎﻧﻮن اﻟﺪوﻟﻲ  " وبالتالى سيترتب على قيام السلطات الألمانية بتسليم منصور إلى الجانب المصرى اعتبار مصدرى مثل ذلك القرار شركاء فى جريمةٍ ضد الإنسانية يرتكبها القضاء المصرى بالاشتراك مع العسكر على نظاقٍ واسعٍ وبشكلٍ ممنهجٍ منذ الإطاحة بالرئيس مرسى عن طريق تعمد سجنه هو ومؤيديه مما سيرتب المسئولية الجنائية الدولية فى حق المسئولين الألمان - فى حالة  - قبولهم الطلب المصرى بتسليمه .