أحمد القاعود
 
تقول نتائج الانتخابات التركية المحسومة لحزب العدالة والتنمية أن الملتزمين دينيا أو الاسلاميين أو التيار الاسلامي أو اخوان تركيا، لم يأخذوا "السلم معاهم فوق" وفقا للتعبير الركيك لقائد الانقلاب فى مصر، بعد أن وصلوا للحكم وتربعوا على قمته طيلة 13 عاما، بل تؤكد النتائج أن التيار الاسلامي فى كافة البلدان الاسلامية هو الفصيل شبه الوحيد المؤمن بالديمقراطية وقرار الشعب واحترام ارادته والملتزم بها أيضا كمنهج حديث للحكم، حدث هذا فى مصر وتونس وليبيا وتركيا.
 
وتقول كل النتائج أيضا وردود الأفعال عليها أن التيارات غير الاسلامية والتى تنسب نفسها زورا إلى الليبرالية أو العلمانية سواء يمنية أو يسارية، لاتؤمن لا بالحرية ولا بالديمقراطية، وانما تستخدمها كشعارات جوفاء سرعان ما تتبخر بعد الفشل فى الاستحقاقات الانتخابية أو بعد الوصول الى الحكم على ظهور دبابات نخب عسكرية عميلة بالضرورة للخارج.
 
فى تركيا تراجع حزب العدالة والتنمية نسبة قليلة ليفقد أغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، ودخل إلى الساحة الساسية على حسابه، حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، ليعلن أن الأكراد قد طووا صفحة التمرد المسلح على الدولة ليبدأوا مرحلة الاندماج فى العملية السياسية.
 
هذا التحول ونجاح الأكراد فى دخول البرلمان بقوة برلمانية ليست بالقليلة، ستعود بالضرورة بالنفع على الشعب التركي كله وتحل السلام بالمجتمع وتصرف جهود النزاع والحروب وما تبعها من خراب ودمار وتأثير على الاقتصاد، وهو ما يحسب للحزب الحاكم "الاسلامي" الذى اعتبر نفسه مسؤولا عن الشعب، ومن هذا المنطلق عمل على انهاء الحرب واشراك الجميع فى العملية السياسية.
 
ورغم كون المعارضة العلمانية التركية لا تقل تطرفا أو كراهية لكل ما هو اسلامي، تماما كنظيرتها فى الدول العربية، بما جعلها تفضل تدمير الدولة كاملة نكاية فى تصريح قد يطلقه فرد عادي متدين على سبيل المثال، بالاضافة لتصديرها التفاهات على جواهر المشكلات الوطنية، فان هذه المعارضة تجد نفسها مضطرة للقبول بصناديق الانتخابات، حتى ولو بصورة مصطنعة أمام العالم.
 
وفى مصر مثلا كانت المعارضة العلمانية رأس الحربة لتصدر مشهد اسقاط الدولة واختطاف الثورة بعد الفشل الذريع فى أن يكون لها صوت واضح شعبيا، رغم دخول عدد كبير من هذه التيارات مجلس الشعب الذى انتخب ابان حكم المجلس العسكري وساهموا فى اسقاطه فيما بعد.
 
وتعج الذاكرة الشخصية والوطنية بعدد لاحصر له من نماذج فجة وقبيحة لطبيعة تلك النخب والتيارات وكيف ساهمت بصورة علنية وصريحة فى سرقة الثورة ووأد أحلام الشعب المصري المتطلع للكرامة والحرية، وكف مارست هذه التيارات الارهاب الحقيقي وحرق المقرات وقتل المواطنين والاعتداء عليهم، وحرق الشباب الملتحي كما حدث فى بورسعيد عندما حرقوا شابا فى محل يمتلكه لأنه ذو لحية، والاعتداء على المنتقبات والملتحين فى وضح النهار.
 
لم تكتف هذه القوى بالتزييف الفج والفاضح لوعي المصريين وانما تجرأوا للتدليس على المجتمع الدولي، فأحد شركاء الانقلاب والحاضر فى مشهد العار فى 3 يوليو وهو محمد البرادعي الذى طالما اعتبره قطاع من الشباب أنه الأمل فى التغيير، كان أحد أذرع السلطة العسكرية للتسويق للانقلاب على العملية الديمقراطية فى الخارج، بزعم أن الحكم فى مصر خطر على العالم اذا ما استمر.
 
فى تونس كان المشهد مشابها الى حد ما وان اختلف فى التزام المؤسسة العسكرية الابتعاد عن التورط الفاضح فى العملية العسكرية، ورغم تدخل قوى خارجية وانفاقها مبالغ طائلة لافشال أولى ثورات الربيع العربي، وتدخلها سياسيا واعلاميا بأموال فاسدة، فان التيار الاسلامي الذى تراجع من الصدارة ليحل فى المركز الثاني رغم كونه الكتلة التصويتية الأكبر والخالصة بدون تحالفات مختلفة الرؤى والتوجهات، لم يسرق الحكم أو سلم الوصول اليه كما أشيع وتردد دائما من قبل النخب العلمانية وجماعات المصالح والفساد.
 
الطريق للديمقراطية فى المنطقة العربية طويل ومرهون بمدى قدرة العامل الخارجي على التأثير على تلك النخب والجماعات غير الاسلامية، ومدى تمكن الشعوب من الحفاظ على عمليات سليمة ونزيهة محمية من تدخلات الخارج أو من عصابات الداخل، لذلك فان القلق دائما على أي ديمقراطية عربية ناشئة هو ليس من الاسلاميين وانما من التيارات الأخرى التى ترفض الايمان بالديمقراطية ولاتحترم ارادة الناس واذا ما وصلت للسلطة فانها تقوم بحرق معارضيها بالألاف فى وضح النهار كما فعلت بمصر، وأردات أن تفعل فى تركيا عام 2013 لكنها اصطدمت بحاكم قوى وأد تمردها وارهابها فى مهده، وكما أريد أن يحدث فى تونس، لكن الأقدار معنت هذا أو على الأقل فهو مؤجل فيها حتى اشعار أخر.